الملك أبعد الجيش عن السياسة

الباحث شقير قال إن إشراك العسكر في الحكم حرك طموحات بعض الضباط لمحاولة الانقلاب قال الباحث محمد شقير إن إشراك المؤسسة الملكية للنخبة العسكرية في تدبير بعض شؤون الحكم، حرك الطموحات السياسية لبعض كبار الضباط لمحاولة الانقلاب على نظام الملك الراحل الحسن الثاني. وأوضح الباحث المختص في الشؤون السياسية أن الملك الراحل قرر إبعاد جنرالاته عن كل مراكز القرار، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري. في ما يلي نص الحوار: < كيف تنظرون إلى المؤسسة العسكرية المغربية، وتميزها بالابتعاد عن الشأن السياسي كما هو معروف في عدد من البلدان؟ < يمكن التمييز في التاريخ الحديث للمؤسسة العسكرية بالمغرب بين مرحلتين، الأولى تم فيها إشراك قيادة هذه المؤسسة في تسيير الشأن السياسي، والتي انتهت بمحاولتي الانقلاب على الحكم، ومرحلة ثانية أبعدت فيها المؤسسة عن تدبير الشأن السياسي. ففي إطار الصراع الذي خاضته المؤسسة الملكية ضد النخبة السياسية، والتي تجسدت على الخصوص في مكونات حزب الاستقلال، تم إشراك مكونات النخبة العسكرية، ليس فقط في تدبير الشؤون المحلية والأمنية، بل تعدى ذلك إلى تعيين العديد من كبار الضباط في مناصب وزارية حساسة، شملت رئاسة الحكومة، ووزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، بالإضافة إلى وزارات أخرى . فبعيد الاستقلال، ترأست شخصية عسكرية أول حكومة مغربية، إذ نزلت المؤسسة الملكية بكل ثقلها لتعيين أحد الضباط السابقين في الجيش الفرنسي، هو مبارك البكاي، رئيسا لأول حكومة عرفها المغرب المستقل، ليتم تجديد تعيينه على رأس الحكومة الثانية، في وقت كان قادة حزب الاستقلال يطالبون بحكومة منسجمة برئاسة أعضاء من الحزب الذي كان يشكل آنذاك القوة السياسية الرئيسية في البلاد . وإبان الصراع السياسي بين المؤسسة الملكية والمعارضة في ستينات القرن 20، تم تعيين مجموعة من الضباط في مناصب وزارية حساسة، إذ أسندت في هذا السياق للجنرال محمد المذبوح وزارة البريد، قبل أن تؤول في ما بعد إلى الجنرال إدريس بن عمر، ثم للمحجوبي أحرضان. كما أسندت وزارة الدفاع، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، لكل من المحجوبي أحرضان، في منتصف الستينات وكذا لمحمد أوفقير في بداية السبعينات من القرن 20 . ولم يقتصر الأمر على تعيين ضباط على رأس وزارات ذات طابع عسكري أو تقني، بل أسندت وزارات ذات طابع سياسي وأمني حساس لشخصيات عسكرية، إذ جمع الجنرال أوفقير خلال الفترة ما بين 1966 و 1970 بين وزارة الداخلية وإدارة الأمن الوطني، في الوقت الذي عين فيه الكولونيل أحمد الدليمي، عاملا بوزارة الداخلية، بعد تبرئته من قبل القضاء الفرنسي من تهمة اختطاف المهدي بنبركة، ليصبح المساعد الأقرب لوزير الداخلية الجنرال محمد أوفقير. < فتح إشراك الجيش في الحكم، شهية بعض الضباط للقيام بانقلاب للسيطرة على الحكم. ما هي الخطوات التي أقدمت عليها الملكية بعد فشل تلك المحاولات؟ < يبدو أن إشراك المؤسسة الملكية للنخبة العسكرية في تدبير بعض شؤون الحكم، حرك الطموحات السياسية لبعض كبار الضباط لمحاولة الانقلاب على نظام الملك الراحل الحسن الثاني، ما جعله يقرر إبعاد جنرالاته عن كل مراكز القرار، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري . فعلى الصعيد العسكري، ألغى الملك وزارة الدفاع، وتم تعويضها بوزارة منتدبة لدى الوزير الأول مكلفة بالدفاع، في الوقت الذي ربط فيه مختلف الأجهزة العسكرية بشخصه. أما على الصعيد السياسي، فقد أبعد الملك الراحل كل الشخصيات العسكرية من المناصب الوزارية، بما فيها وزارة الداخلية، التي أصبح يعين فيها شخصيات مدنية مثل محمد بنهيمة، وفيما بعد إدريس البصري، الذي تقوت في عهده هذه الوزارة، وتم الاعتماد عليها في تدبير الكثير من الشؤون العامة، بما فيها مراقبة الجيش إلى جانب الدرك الملكي التي تم تكليفه بالمهمة ذاتها. وفي هذا السياق، يمكن فهم كيف أن الجنرال أحمد الدليمي الذي اعتبر، بعد اغتيال سلفه الجنرال محمد أوفقير، الرجل الثاني في النظام، نظرا لما كان يمركزه في يديه من مهام أمنية حساسة، لم يتم تعيينه على وزارة مثل وزارة داخلية أو في وزارات أخرى. فرغم أن الملك الراحل الحسن الثاني اعتمد على الكثير من التقنقراط وعينهم وزراء، إلا أنه لم يخاطر، منذ فشل الانقلاب الثاني في تعيين أي شخصية عسكرية مهما كانت مكانتها ورتبها العسكرية في مناصب سياسية أو حتى إدارية. وكان أغلب الولاة والعمال والقياد من خريجي مدرسة استكمال الأطر أو بعض خريجي قدماء مدرسة أزرو. < يرأس الملك المؤسسة العسكرية باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، ما هو الموقع الذي تحتله في النظام السياسي؟ < تعتبر المؤسسة العسكرية مؤسسة محورية في النظام السياسي إلى جانب المؤسسة الملكية التي تعتبر المؤسسة المركزية بالبلاد، وبالتالي، فالملك كأمير المؤمنين يرأس المؤسستين. ودرج العرف داخل قبة البرلمان، والذي ترسخ منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، أن مشروع ميزانية البلاط الملكي، التي تشكل جزءا مهما من الميزانية العامة للدولة، وتعتبر من بين الميزانيات المهمة إلى جانب ميزانية التعليم والدفاع ... عادة ما يتم التصويت عليها بالإجماع، دون مناقشة بنودها لا من قبل النواب، أو المستشارين . والأمر ذاته يسري على الميزانية المخصصة للجيش، حيث أن الثقل السياسي والانتشار العددي والمجالي لهذه المؤسسة يجعل ميزانياتها لا تناقش بالشكل المطلوب تحت قبة البرلمان، كما أنها عادة ما لا تخضع لأي مراقبة مالية قبلية أو بعدية. بالإضافة إلى ذلك، فإن اعتبار استرجاع الأقاليم الجنوبية القضية الوطنية الأولى في البلاد، منذ انطلاق المسيرة الخضراء في 1975، جعل المؤسسة العسكرية تستفيد من كل التسهيلات المالية المطلوبة، وتخصص لها كل الموارد المالية السنوية سواء للإدارة والتسيير أو لشراء العتاد وإبرام الصفقات العسكرية. < شكل الانقلابان الفاشلان في 71 و72 حالة استثنائية في تاريخ المؤسسة العسكرية. ما هو السياق الذي حدثت فيه المحاولتان؟ < هناك عدة تفسيرات قدمت بشأن تحليل الأسباب الكامنة وراء القيام بمحاولتي الانقلاب على الملك الحسن الثاني، حيث أرجع ذلك إلى أسباب سياسية تكمن في حالة الاستثناء وقمع المعارضة، أو أسباب تتعلق بالأزمة الاجتماعية وانتشار الفساد ....أو شخصية ترتبط بخيانة الجنرالين المذبوح وأوفقير للملك، لكن إلى جانب كل هذه الأسباب التي يمكن أن تشكل جزءا من العوامل التي كانت وراء العمليتين، فهناك عامل غالبا ما يتم التغافل عنه، والذي يرتبط بالأساس بخلفيات وطموحات الذين قاموا بالانقلاب، خاصة أولئك الذين نفذوه. فالكولونيل محمد اعبابو الذي يعتبر المنفذ الحقيقي لانقلاب الصخيرات، كان يجسد فئة الضباط التي اعتبرت بأن نظام الترقية العسكرية السائد، والذي يتحكم فيه الملك لا ينصفها، وأنها تخضع لسلطة فئة من الضباط ليست لها شرعية إلا تلك التي يغلفها بها الملك. وبالتالي، فالشعور بالغبن هو الذي كان أهم محرك لهذه الفئة للمشاركة في عملية الانقلاب. ولعل هذا المحرك هو الذي كان مصدر الخلاف الأساسي بين الجنرال المذبوح المقرب من الملك، والذي كان يرغب فقط في إرغامه على التنازل على العرش، والكولونيل اعبابو الذي كان يصر على ضرورة تصفيته كشرط أساسي لتغيير النظام. والأمر نفسه ينطبق على محاولة الانقلاب الثانية، فالجنرال أوفقير المقرب من الملك كان يرغب بدوره في إرغام الطائرة الملكية على النزول، في الوقت الذي كان الطيارون المهاجمون للطائرة الملكية يهدفون إلى تفجيرها، والقضاء على الملك. ولعل هذا ما تنبه له هذا الأخير، عندما أسر لربان الطائرة الكولونيل القباج بالإعلان عبر جهاز الراديو عن مقتل الملك. وبالتالي، يمكن التأكيد أن معايير الترقية العسكرية، والتي أدت إلى تجميد العديد من رتب أجيال من الضباط لعبت دورا أساسيا في مغامرة بعض فئاتها في محاولة الإطاحة بالملك. وهكذا، فجيل الضباط المغاربة الذين تخرجوا من الأكاديميات العسكرية ابتداء من 1956 كانوا يتوفرون على تكوين تقني جيد، وعلى ثقافة عامة متوسطة، لكن في الوقت نفسه كانوا متأثرين بإيديولوجية «عدم التسييس» المقتبسة من الفرنسيين وكذا بالجهاز الإيديولوجي للمؤسسة الملكية. بالإضافة إلى ذلك كانوا مبعدين عن القيادة العامة للجيش، ومن المناصب القـيادية العسكرية التي كان يحتكرها كبار الضباط الفيوداليـين كالجنرال حمو، والنميشي، والبشير بوكرين، والجنرال المذبوح، وحبيبي والغرباوي وغيرهم. تصفية جنرالات وضباط الانقلاب أدت محاولة الانقلاب الفاشلة بالصخيرات إلى مقتل العديد من جنرالات الجيش، سواء من خلال تبادل إطلاق النار أثناء هذه العملية، أو من خلال تصفية حسابات بين الكولونيل اعبابو وبعض خصومه من الجنرالات كالجنرال المذبوح والبوهالي، وأشهبار. ولعل هذا التضارب في التصور، والذي لعب دورا حاسما في فشل العمليتين، كان مرده اختلاف في مصالح فئتين من ضباط الجيش، ففئة الجنرالات كانت ترغب في الإطاحة بالملك للحفاظ على المصالح والمكاسب التي راكمتها، في حين أن الضباط الشباب كانوا يرون أن الملك قائدا أعلى للقوات المسلحة، والذي يحتكر صلاحية التعيينات العسكرية دستوريا وسياسيا، هو العرقلة الأساسية أمام ترقياتهم، وتحسين مسارهم المهني والعسكري، وبالتالي فمن الضروري تصفيته وتغيير نظامه بشكل دموي وعنيف. في سطور - أستاذ باحث في العلوم السياسية - إطار بوزارة الاقتصاد والمالية - صدرت له العديد من الكتب منها، «السلطة وتطور المراسيم العسكرية بالمغرب»، «الفكر السياسي المغربي المعاصر»، «القرار السياسي بالمغرب»، «التنظيمات السياسية بالمغرب» و»تطور الدولة بالمغرب».

الملك أبعد الجيش عن السياسة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحبس لقائد و رئيس جماعة بشيشاوة

مختصرات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات