الكوطا … استجداء لفكر ذكوري

عدم إيمان المرأة بكفاءة بنات جنسها ساهم في تكريس النظرة الدونية منح الدستور المغربي للمرأة حقها في المناصفة، التي طالما طالبت بها، ونص في الفصل 19 في الباب الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، "أنه يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ التكافؤ بين الرجال والنساء، وتحدث لهذه الغاية هيأة للتكافؤ ومكافحة كل أشكال التمييز". المناصفة التي تحدث عنها الدستور بين المرأة والرجل استجابت لجميع المطالب التي عبرت عنها الحركة النسائية بالمغرب وألغت جميع أشكال التمييز، وأصبح من اللازم بلورتها على أرض الواقع، من خلال اختبار ميداني تؤكد من خلاله النساء قدرتهن على التسيير والتدبير وتحمل المسؤولية، وهذا يتطلب قطع العلاقة مع ما كان يعرف بنظام الكوطا أو الهبة التي تنمح لنساء ليمثلن في المجالس المنتخبة باختلاف أشكالها. فلم يعد مقبولا من المرأة أن تستجدي الرجل في حق الكوطا على اعتبار أن ما كانت تطمح إليه من خلال الإصرار على الحصول على الحقوق والواجبات نفسها وتكريس ذلك في الدستور، يتطلب بالمقابل البرهنة على القدرة في حماية ذلك الحق. فالمرأة اليوم أمام امتحان حقيقي بشأن مدى قدرتها على بلورة ما كانت تطالب به على أرض الواقع، لأن المناصفة التي تحدث عنها الدستور تشكل خيارا مجتمعيا، وتبلور الإرادة السياسية للبلاد، في رفع ما كان يعرف أنه حيف يمارس ضد النساء، وذلك ضمن منظومة ترسيخ الديمقراطية وتحقيق التنمية الشاملة بمكوني المجتمع، الرجل والمرأة. الفكر الذكوري الذي تحمله المرأة في داخلها يؤثر بشكل سلبي على إيمانها بقدراتها التي تمتلكها، وغالبا ما تكون المرأة خلال المحك الحقيقي لترجمة المناصفة بعيدة عن ذلك، وتكرس النظرة الدونية التي يتبناها الفكر الذكوري في عدم إمكانية المرأة إدارة شؤون أي مؤسسة أو هيأة، وخير دليل على ذلك ما تعرفه الانتخابات بصفة عامة والانتخابات المهنية بصفة خاصة، إذ في قطاعات العدل ورغم ما تتميز به المرأة إلا أنها غالبا ما تكون غائبة عن مراكز القرار، إذ ترفض بعض النساء الاعتراف بقدرات بنات جنسهن وتصوت لفائدة الرجل، رغم كل الادعاءات التي تسبق تلك الانتخابات بضرورة تمثيل النساء، ومن الأمثلة الحقيقية على ذلك ما شهدته انتخابات هيآت المحامين من عدم إمكانية فوز أي امرأة بمنصب نقيب الهيأة، والشيء نفسه بالنسبة للمرأة القاضية، التي لم تستطع في الانتخابات الخاصة بالمجلس الأعلى للقضاء أن تحجز لها مقعدا، رغم أن قاضيات المغرب يمثلن أزيد من ثلث قضاة المملكة، والمغرب يعد من بين أول الدول العربية التي تقلدت فيها المرأة منصب قاضية، إذ في 1961 ولجت أمينة عبد الرازق أول امرأة سلك القضاء في المغرب، والحالة هاته يمكن قياسها على العديد من المهن القضائية وغيرها. الرهان الحقيقي لنساء المغرب اليوم، هو مدى إمكانية تحقيق تلك المناصفة على أرض الواقع وتحمل المسؤولية، إذ لا أحد ينكر أنه رهان صعب في بدايته، لكن كما يقال فالحق ينتزع ولا يؤخذ والنضالات التي خاضتها المرأة منذ عقود لأجل تحقيق هذه الغاية، تتطلب منها أن تكون على قدر المسؤولية، فالأمر ليس بهذه السهولة على اعتبار أن العقلية المتجذرة حتى عند بعض النساء في عدم الثقة ببنات جنسهن في تحمل المسؤولية لا يمكن تغييرها في وقت وجيز، ثم تنضاف إليها الثقافة الذكورية للمجتمع، وكلها معيقات يمكن أن تقف حجر عثرة أمام تحقيق المناصفة بمفهومها الشامل، إلا أنها لا يمكن اعتمادها شماعة للمطالبة بحقوق هي في الحقيقة تكرس الصورة النمطية عن المرأة الضعيفة والمضطهدة، المعركة المقبلة معركة ثقافة وإقناع تتطلب جهدا كبيرا من النساء والمنظمات النسائية لبلورة مضامين الفصل 19 من الدستور. كريمة مصلي

الكوطا … استجداء لفكر ذكوري

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المرأة الصحراوية... كاريزما فطرية

النساء عند بنكيران: ثريات أو رخيصات أو مكلفات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات