المرأة الصحراوية… كاريزما فطرية

رواية "إمارة البئر" لمحمد سالم الشرقاوي تكشف عوالم نساء الجنوب تسلط رواية "إمارة البئر" لمحمد سالم الشرقاوي الإعلامي المغربي، الباحث في مجال سوسيولوجيا التواصل، جوانب من مكانة المرأة الصحراوية من خلال سيرة "أم الخير"، سليلة عائلة "آل السيود"، التي يخبرنا الكاتب على أنها عاشت جزءا من طفولتها مع جدتها ورأت المكانة التي حظيت بها رغم الشخصية القوية لزوجها الشيخ محمد العالم، "فكانت تستقبل الضيوف وتأمر بذبح رؤوس الماعز لإكرامهم، وتمنحهم الهدايا، وتزودهم بالزاد الذي يكفيهم عند الرحيل، رغم صعوبة الأوضاع المعيشية في ذلك الزمن وقلة الإمكانيات المادية". ويضيف: "تلك هي مكانة المرأة في ذلك المجتمع، وذلك هو التقدير الذي يُخصص لها من قبل الرجال. لا يُفرض عليها رأي، ولا تُحْمَل على فعل ما لا تريده، فيُطلب ودُّها صغيرة، ويافعة، وعروسا، وزوجة، وأُمًّا، كيف لا وهي التي تتحمل مسؤوليات تدبير أمور خيمتها من إعداد الطعام، وإيراد الماء، وجمع الحطب، وحلب النوق، وغزل الصوف، ونسج الخيام، وتربية الأطفال، وتجهيز البنات للزواج، من دون أن تتخلى عن فرصها في التعلم وحفظ القرآن، كلما كان ذلك مُمكنا". وفي هذا الصدد يعرج الكاتب على ذكر إحدى بطلات روايته وهي "امبيريكة" مساعدة "أم الخير" في تدبير شؤون البيت، فيُعدد مناقبها ويذكر أنها اهتمت بـ"حفظ أجزاء من القرآن من خلال ما يتناهى إلى مسمعها من قراءة الأطفال، وحفظت عددا من قصائد الشعر الشعبي المحلي وأصبحت مرجعا لبنات قبيلتها في ذلك، لا يختلفن في شيء إلا وطلبن رأي امبيريكة فيه، فتُؤكد مصدر القصيدة تارة، وتصحح بناءها الفني والبلاغي طورا، بل وتَنْظُمَ على بحرها أبياتا أخرى، قد لا تقل إبداعا عن أبيات القصيدة الأصلية". ثم يقول:"كما كانت أيضا تُعَلِّم البنات قرض الشعر الخاص بالمرأة، وتُنظم لذلك جلسات سمر على ضوء القمر، يتنافسن فيها على إبداع أحسن القوافي في حضور أمهاتهن، ويرددن خلالها ما حفظن عن غيرهن من أشعار الصحراء، حتى أصبحن للمثل مضربا في الجمع بين حُسن الخلقة والخُلق". وغير ذلك من الصفات التي تشترك فيها المرأة الصحراوية، التي تستمد عمقها، كما يخبرنا الكاتب، من أصالتها العربية والأمازيغية في آن واحد. نجد الرواية تعبر بنا إلى ما استطاعت سيدات البادية أن يطورنه من مهارات ذاتية تمكنهم من الحياة والعيش في ظروف تتسم، أحيانا، بالقسوة، فيقدم أمثلة على ذلك فيما برعت فيه "امبيريكة" من اجتهاد "في تحسين معارفها وتطوير مداركها، لا يوازيه إلا حرصها على الابتكار الموسوم بملكات فطرية جعلتها تتوصل إلى تشكيل خلطات مشهودة لها بمُعالجة أنواع التسممات، ولدغات العقارب والأفاعي، وأمراض الحساسية والعظام، وأمراض المفاصل، والحموضة، والإمساك، والفطر، والنمش، وحب الشباب، وحرقة المعدة، والزكام، وأمراض البلعوم، واللوزتين، والأذن، والصدر، والشقيقة واللائحة طويلة!". وتأكيدا على مكانة المرأة في المجتمع الصحراوي، تقول الرواية إن "حضور السيدات في بلدة بئر السبع (مسرح أحداث الرواية) له وزنه الممتد في جذور المجتمع وتقاليد القبيلة، التي تحتفظ للمرأة بمكانتها المتقدمة في سلم القرار الاجتماعي، بما لا يقل عن مكانة الرجل، الذي كان ولا يزال يستشيرها ويعتمد على حكمتها وتبصرها وبعد نظرها في تسيير الأمور". ومع الظروف الصعبة للحياة في البادية، تعرفنا الرواية بأن النسوة يجدن، مع ذلك، "متسعا للتجمل لأزواجهن، رغم أن الجمال في الصحراء هو جمال الروح، الذي يحجب خشونة المناظر وقساوة الظروف، فتستأنس المرأة بمحيطها، وتصنع من مواد الطبيعة محاليل للتعطر كتنقيع القرنفل، وتحُف عينيها بالكحل وتلون خدودها بـ"الحُميرة"، وتضع الأقراط والحلق وتزين جيدها بالقلائد والعقود من الخرز وساقيها بالخلخال". ويتساءل الكاتب ما إذا كانت المرأة حاضرة بشخصيتها وبجمالها وهي الحريصة على أن تهتم بمواصفات الحُسن التي تستهوي الرجال. "ذلك أن الشعراء المحليين عددوا أوصاف المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها، وذكروا بياض البشرة، وضخامة الأرداف، وامتلاء الجسم والأعضاء، والتميز بالفتوة، وطول العنق، حتى سمَّين البنات بأسماء الصفات ومنها "الرعبوب"، كناية عن اللين والرطوبة والجمال، و"الدعيجة"، سوداء العيون مع اتساع المقلة، و"ميليدة"، الفتاة، كثيرة المحاسن". ع . م

المرأة الصحراوية… كاريزما فطرية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مختصرات

الكوطا ... استجداء لفكر ذكوري

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات