ثقافـة كـارثية

الباحث القري قال إنه يلتصق بالنساء لوضعيتهن المأساوية والدونية في مجتمع ذكوري يرى الباحث إدريس القري، المهتم بحقل السوسيولوجيا، أن التخابر حول الناس، أو ما يطلق عليه “التبركيك”، ظاهرة، لأنها تتكرر وتدوم مدة زمنية طويلة. ويذهب الباحث نفسه، في حوار مع “الصباح”، إلى أن ثمة عوامل متشابكة تغذيه، ضمنها التخلف الثقافي والسلوكي والاجتماعي. في ما يلي تفاصيل الحوار: < هل يمكن أن نصف “التبركيك” بأنه ظاهرة؟ < نعم يمكن اعتباره ظاهرة، ذلك أن كل ما يتكرر ويدوم فترة زمنية طويلة، يشكل موضوعا ليس للوصف فقط بل وللتحليل والتقييم السوسيولوجي بالذات. ف”التبركيك” ظاهرة لها خصائص ووظائف وجدوى في الحياة الاجتماعية، ليس للمغاربة فقط بل هي ظاهرة اجتماعية إنسانية، نلاحظها في أكثر المجتمعات حداثة، خاصة في المناطق ضعيفة الكثافة السكانية والأقل تطورا صناعيا واقتصاديا، كما هو الأمر في هوامش المدن الكبرى وفي البلدان المتخلفة وفي المدن الصغرى والقرى حيث يكون تدفق الزمن والحراك الاجتماعي وإيقاع التشغيل والتبادل التجاري بطيئا. < كيف تحللون هذه الصفة وانتشارها داخل المجتمع؟ < “التبركيك” أو التخابر ظاهرة ترتبط بصفة خاصة بدرجة نجاح تحديث وتمدين المجتمع، ولا أقصد في هذا السياق التحديث المادي والتنمية الحضرية المادية أو التأهيل المعاصر للهندسة المعمارية، رغم الأهمية القصوى لهذه العوامل. إذ يتعلق الأمر في الواقع بتحديث نظم التربية والتنشئة ونشر التواصل والمعلومة من خلال نظام تعليمي وإعلامي، ينبني على قيم العقلانية والفردانية والحريات الفردية من حرية الجسد إلى حرية المعتقد والرأي …إلخ، ناهيك عن القضاء على الأمية ومحاربة الجهل بأنواعه وزرع قيم الانضباط والوطنية والنزاهة، في جل أشكال التنشئة والتربية نظامية كانت أو غير نظامية. < التكنولوجيا الرقمية ساعدت في نقل أخبار الناس،” فيسبوك” “واتساب” ومختلف وسائط الدردشة، ما يسبب أضرارا نفسية للضحايا، هل لكم أن تبسطوا مخاطر هذه الاستعمالات الجديدة؟ < هو عقد تتشابك وتتكامل حلقاته، فالتخلف الثقافي والسلوكي والاجتماعي، لن يجعله، نشر التكنولوجيا دون قيمها الحداثية، يتغير أو يختفي. على العكس من ذلك كما سبق وكتبت هذا في كتابي ما قبل الأخير، عن “صورة المجتمع المغربي في وسائل الإعلام الوطنية”، إذ أكدت آنذاك في آخر التحليل، وهو ما لا لبس فيه اليوم، أنه من الجيد تمكين المواطنين من التكنولوجيات التواصلية الحديثة على درب تحديث المجتمع، لكن القيام بذلك دون تعميق زرع القيم المرافقة من عقلانية وحريات، وما ذكرته في الإجابة على السؤال السابق، لن ينتج عنه غير تقوية وتكريس الثقافة السائدة بقيمها المعرقلة لأي تقدم مادي أو معنوي، ومن نتائج ذلك انتشار ثقافة “الدخول فالصحة” أو “التبركيك” التي تعتبر ثقافة كارثية على سعادة الأفراد وراحتهم، وحسن تركيزهم على حقيقة ما يريدون، وما لا يتوافق معهم، ومع اختياراتهم وأذواقهم وقدراتهم وميولهم. < يطلق عليها أيضا المخابرات الشعبية، دلالة على أنوثتها، لماذا يلتصق “التبركيك “بالنساء؟ < لا أعتقد أنه يلتصق بالنساء من حيث طبيعتهن بل من حيث وضعيتهن المأساوية والدونية في مجتمع ذكوري وأبوي بامتياز. لنلاحظ ببساطة أن المرأة المثقفة، التي تربت على قيم العقلانية والحرية في أسرة فاضلة ومكتفية من حيث كرامتها المادية، لا تجد وقتا لـ”التبركيك” لأنها منشغلة بتنمية شخصيتها وبعملها ضمن قيم النزاهة والمسؤولية والواجب. “التبركيك” أيضا من شيم الرجل الذي أسميه استعارة من المفكر الإيطالي غرامشي بالرجل العاطل عن التفكير، والمقصود هنا كما يقول المغاربة “اللي ماعندو شغل”. لا ينبغي في هذا السياق الخلط بين “التبركيك المنظم”، وهو عمل مؤطر تابع للعمل الأمني المخابراتي المضبوط، على عكس ما يبدو عليه من عفوية أو تطوعية، يتعلق الأمر في ما أعتقد بتوظيف ذكي وماهر لعقلية تحدث عنها باحثون سوسيولوجيون وأنثروبولوجيون، منذ ضباط الشؤون الأهلية حتى كبار الدارسين حول طبيعة المغربي والمجتمع المغربي. < ماهي في نظركم أسباب انتشار هذه السلوكات، التي تمس حتى الحياة الخاصة للأفراد، وهل من وسيلة لتهذيب السلوك ومحاربة مثل هذه الصفات الذميمة؟ < محاربة هذا السلوك والحد منه سيتطلبان عملا شاقا بأضعاف ما استغرقه ترك الحبل على الغارب في التعليم والإعلام لأسباب يبدو أن دوافعها ما زالت قائمة وإن في سياق مختلف. بعبارة أخرى لا بد من حرب تربوية وإعلامية وثقافية وسياسية حقيقية شاملة وواعية وذكية أيضا على هذا التفسخ القيمي الذي يغزو بلدنا بشكل لن أتخوف من القول إنه رهيب ومخيف، فقد أصبحت الأنانية والاستهتار بالقانون وبالجار وبقانون السير وبأبسط قواعد احترام الآخر وحميميته في خبر كان ببلدنا. ولعل من الأسباب القوية على مزيد من عدوى هذا الفيروس القاتل للحضارة وللمواطنة هو انعدام العقاب. أجرى الحوار: المصطفى صفر في سطور - من مواليد مكناس 1955 - حاصل على الإجازة تخصص علم الاجتماع - أستاذ جمالية الصورة بكلية الآداب بالرباط - أستاذ السمعي البصري وتاريخ الفن والفوتوغرافيا بمعاهد عليا خاصة بمكناس والدار البيضاء سابقا - كاتب ومترجم وناقد فني - له مؤلفات عديدة بين كتب ودراسات ومقالات نشرت بالمغرب وخارجه

ثقافـة كـارثية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"لاراف"...سيدة الأخبار الطازجة

جنازة بليغ تتحول إلى احتجاج

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات