جارنا عبد السلام قال لي، مرة، إنه من أطلق عليها هذا اللقب. كان عائدا، ذات ليلة، من الحانة المجاورة، فرمقها تتجول وحدها مثل «دورية للأمن»، ثم ناداها منتشيا: «وفين.. غاديا ألاراف». «ابتسمت» في وجهه، قبل أن تهرول إلى منزله لتخبر زوجته وأبناءه بأنها ضبطت «الحاج» مخــــمورا. تقول بعض الروايات إن اسمها الحقيقي «شامة بن البوهالي»، قدمت إلى المدينة قبل ثلاثين سنة من منطقة الغرب واستقرت مع شقيقتها المطلقة في غرفة مع الجيران، قبل أن تربط علاقة «مشبوهة» بعون سلطة (شيخ) الذي تزوجها في السر على زوجته الأولى، ثم مات في حادثة سير، حين كان يقود دراجته الهوائية في الاتجاه المعاكس. لكن جارنا عبد السلام يصر على امتلاك الحقيقة: «خليك من لكذوب..سميتها شامة، ولايني ماشي بنت البوهالي، راها بنت الدكالي، جات درية صغيرة هي وأمها من اثنين الغربية وسكنو حدانا في الدرب، وماتت أمها وبقات مع خالتها..كبرت وتزوجت بمول الصاكة، ومات وما خلا ليها والو». يصمت وينظر إلي: آه..ما خلا ليها والو مسكينة.. كتب كلشي في سمية ولادو قبل ما يموت». تجاوزت «شامة» عقدها الخامس بثلاث سنوات، لكن، مازالت تحتفظ بصحتها وكثير من عافيتها. امرأة فارهة بجسد مكتنز تظهر تقاسيمه من الجلباب (لباسها المفضل)، ووجه دائري وعينين ضيقتين وغائرتين، وحاجبين معقوفين، سريعة البديهة والحركة ولها قدرة خارقة على التوقع، لذلك تجدها دائما في المكان والزمن المناسبين، بنسب قليلة من الخطأ يسهل على «لاراف» تداركه، بفضل شبكة العلاقات والأصدقاء و»الأحباب» التي كونتها على مدى سنوات. لا تتعب «لاراف» من البحث والتقصي وتعقب أخبار الناس واستقصاء أسرارهم، ولا تستريح ويهنأ لها بال إلا إذا حصدت الكثير منها. قالت، مرة، لحارس السيارات إن ألما حادا يشق رأسها نصفين إذا عجزت عن الوصول إلى «تبركيكة صحيحة»، فضحكا معا، قبل أن يرد، وهو يمسح واجهة سيارة بمنشفة صفراء: «سيري الله يعطيك لي ناويا في خاطرك». «سيدة الأخبار الطازجة» تجدها في كل مكان. وحين تلوح من بعيد بجلباها الرمادي، يعرف الجميع، بالبداهة، أن حادثا سيقع، أو سرا سيرفع غطاؤه، أو مصيبة سيسمع دويها في الحي، ما يحدث فعلا، وتكون «لاراف» شاهدة عيان عليه، وتتسابق للإدلاء بشهادتها، دون أن تنتظر من يطلب منها ذلك. أحب الأماكن إلى نفسها «حمام السعادة»، حيث تعقد صفقة عمل وشراكة مع «الطيابات» وحارسة «الرزم» والمنظفات وصاحبة الصندوق. هنا وفي كل الأوقات، يمكن لأسرار البيوت وأخبار المتزوجات والمطلقات والخائنات والمصدومات في الحب، أو المقبلات على الزواج، وخصومات الأزواج أن تتساقط، ملثما تتساقط الأوساخ من الأجساد العطنة. تغادر «شامة» الحمام في الوقت نفسه من اليوم، وتزيح عن جبينها حبات عرق بمنديل ورقي، ثم لا تلوي على شيء في اتجاه السوق العشوائي المجاور، حيث توفر بائعات الخبز و»العراكات» أخبارا طازجة أخرى. تفتح «شامة» شهية حكيها بعبارتها الشهيرة «كاين شي ولا غير الفرشي». في الأعراس والأفراح والأتراح ومختلف المناسبات، لا تمل «شامة» من الاستماع والاستفسار وطرح الأسئلة مثل محقق نبيه، ولها قدرة عجيبة على سل «الألسن» خبرا تلو الخبر، وحين تتأكد أن جليستها لم تعد تملك ما تحكيه، تراوغها وتذهب إلى أخرى. تعرف أحياء المدينة ودروبها وشوارعها وأناسها وضيوفها كما تعرف خطوط كفيها. لا تؤمن بزمن معين للتحرك والتعبئة واستقصاء «التبركيكات»، قد يكون في الساعات الأولى من الفجر، أو منتصف النهار، أو في جنح الليل..تحت لهيب الشمس، أو تحت الأمطار الغزيرة.. في كل زمان ومكان توجد «لاراف»..وثمة شامة بن البوهالي، أو بنت الدكالي.. وفاء لرواية جارتنا العجوز. يوسف الساكت