11 يناير… الطلقة الموحدة

وثيقة الاستقلال واسطة عقد المقاومة والشرارة التي أطلقت معركة التحرر يشكل 11 يناير قطيعة تاريخية في تاريخ المغرب، إذ يمثل اللحظة التي انتقل فيها المغرب من منطق الإصلاح في إطار الحماية إلى المطالبة بالاستقلال. وقد أصبحت معاهدة الحماية بعد 11 يناير متجاوزة بالنسبة إلى المغاربة، وعززت تلاحم العرش والشعب في معركة المطالبة بالاستقلال، إذ انتقلت العلاقة بين السلطان والوطنيين من وضعية الضمني إلى العلاقة الصريحة، وأصبحت فرنسا، البلد المستعمر في رأي الوطنيين، وفي رأي السلطان، أكثر ضعفا في تلك المرحلة، بعد أن خطف كل من روزفلت وتشرشل الأضواء من الرئيس الفرنسي دوغول، وبدأت صورة فرنسا تتراجع في الساحة الدولية. وتطرح مسألة الشرعية عند الحديث عن وثيقة 11 يناير، إذ يشير المؤرخون إلى أنه ليست هناك وثيقة واحدة، بل سبقتها وثائق أخرى، مثل وثيقة 18 دجنبر 1942، وأخرى بتاريخ 13 يناير 1944، حررها حزب الشورى والاستقلال بقيادة بلحسن الوزاني. كما كانت هناك وثيقة أخرى طالبت بالإصلاحات سنة 1931، تلتها وثيقة الإصلاحات سنة 1934، وهي حقائق وتفاصيل لا يعرفها إلا المختصون بتاريخ المغرب الحديث. في يناير 1944، إذن سيتقدم الوطنيون خلال لقاء أنفا الشهير، إلى السلطان محمد بن يوسف وفرانكلين روزفلت وونستون تشرشل وشارل دوغول، بوثيقة الاستقلال، ليضعوا بذلك نهاية مرحلة وبداية أخرى. ب . ب الوثيقة قلبت معادلة الحماية قراءة تاريخية مغايرة لـ"أهم" لحظة في تاريخ التحرر المغربي يقدم الباحث المغربي مجيد أيور في دراسة بعنوان "وثيقة 11 يناير 1944: سياق استحواذ البورجوازية بقيادة النضال ضد الاستعمار" رؤية تاريخية مختلفة عن "السائد" الرسمي، الذي حول لحظة تقديم وثيقة 11 يناير، إلى "أسطورة" رفعتها أحزاب الحركة الوطنية إلى مصاف "اللحظات المشرقة في النضال التحرري للشعب المغربي ضد الحماية الفرنسية"، مؤكدا أن الأحزاب التي انتمى أسلافها إلى الحركة الوطنية مازالت تستمد رصيد شرعيتها المفتقدة من تلك اللحظة، مستمدة دورها في المناداة بالاستقلال وربط نضال الحركة مع القصر. وينطلق الباحث في التأسيس لهذه الرؤية من عدد من الأسئلة التي يعتبرها جوهوية من قبيل السياق الذي طرحت فيه الوثيقة؟ ولماذا لم تناد "الحركة الوطنية" بالاستقلال منذ بدايتها؟ وما هي مميزات نضال الحركة من أجل تجسيد هذا المطلب خصوصا مع استحضار الحركة الجماهيرية التي استثارتها وثيقة المطالبة بالاستقلال؟ قبل أن يخلص إلى أن مطالب 11 يناير ليست أولى المطالب التي تقدمت بها تنظيمات "الحركة الوطنية" إلى السلطات الفرنسية، فقد سبقتها مجموعة من الدفاتر المطلبية تضمنت عددا من المطالب وكذا رؤية "الحركة الوطنية" لنظام الحماية. وأكد الباحث أن صدور ما يعرف بـ»الظهير البربري"في 16 مايو 1930، لعب دورا كبيرا في دعم الانطلاقة الحقيقية"للعمل السياسي للحركة الوطنية». فقد استغلته الحركة لإطلاق حركة احتجاج واسعة ضد"السياسة الاستعمارية"بالمــــغرب. على إثر حركة الاحتجاج هذه، تكونت خلايا سياسية اتخذت من السرية أسلوبا للتنظيم والعمل لتفادي المواجهة مع سلطات الحماية. وانتهت هذه المرحلة بظهور مجموعة من التنظيمات السياسية، التي جعلت من النضال من أجل الإصلاحات في إطار نظام الحماية أسلوبها الأساسي، ونذكر منها بالأساس"كتلة العمل الوطني"التي تأسست 1933. وقامت الكتلة في دجنبر 1934 بتقديم مذكرة"مطالب الشعب المغربي"إلى المقيم العام والسلطان ورئيس وزراء الحكومة الفرنسية تضمنت، المطالبة بتطبيق معاهدة الحماية، ومشاركة الوطنيين في الوظائف الإدارية (المجالس البلدية والغرف التجارية)، وتأسيس مجلس وطني يضم نوابا مسلمين ويهودا. وقطعت حركة الإصلاحات التي قادتها تنظيمات"الحركة الوطنية"عقدا من الزمن، انتهت بهزيمة ساحقة لهذه الحركة في نهاية الثلاثينات، لكن هذه الحركة عادت بالظهور مرة أخرى ابتداء من 1942، خصوصا بعد إطلاق سراح قادتها، متزعمة حركة المطالبة بالاستقلال في سياق دولي ووطني مختلف. وخلص أيور، في دراسة من عدة صفحات، إلى أن نضال المغاربة استمر بعد الوثيقة مدة عقد من الزمن من أجل نيل الاستقلال،"لكن وقوع هذا النضال تحت قيادة قوى سياسية بورجوازية حد من استكمال تحرر البلاد من السيطرة الإمبريالية، كما جرى إيقاف نضال الشعب المغربي ضد الاستعمار، في البدء بالخداع (مشاورات إيكس- لي - بان)، وفي الأخير بقوة الحديد والنار (تصفية جيش التحرير، وقمع انتفاضة الريف..). وقال إن السيطرة الإمبريالية ما زالت مستمرة وإن كانت بأشكال أخرى (المديونية الخارجية، اتفاقيات شراكة وتبادل حر..)، لذلك، فإن النضال الذي تم إيقافه في 1956 يجب استئنافه، مع تغيير أساليب النضال طبعا». يوسف الساكت

بوعبيد... واضع الشروط

مختصرات

مقالات ذات صلة