الحملات… سوق لتوفير مصروف الجيب

تحفيزات ووعود من المرشحين باقتناء مواد مدرسية و"الحولي" عشرات الشباب والنساء من مختلف الأعمار، يحملون منشورات مرشحي الأحزاب، يتسابقون في توزيعها على المارة أو دسها أسفل أبواب المنازل ووضعها على زجاج السيارات، مقابل الحصول على مبلغ مالي.«العمل» مع المرشحين في الحملات الانتخابية، يتم وفق طقوس معينة، إذ يتكلف «أعوان» المرشحين، أو ما يطلق عليهم بـ»الخرطاطة» باستقطاب الناس للعمل تحت إمرتهم، حيث يحرص كل «خرطاط» على جلب عدد من أبناء حيه من الجنسين، لضمان إنزال كبير في الحملة الانتخابية، ولضمان أصوات للمرشح، بحكم أن كل من تم إغراؤه بالعمل في هذه الحملة الانتخابية، سيقنع عائلته وأصدقاءه بالتصويت لفائدة من يقوم بالدعاية له. البحث عن مصروف الجيببالدائرة الانتخابية اسباتة بعمالة ابن امسيك بالبيضاء، نظم مرشح حزب سياسي محسوب على المعارضة حملة انتخابية، انخرط فيها العشرات من المواطنين من مختلف الجنسين والأعمار. الكل يردد شعارات مساندة للمرشح، ينتقلون من حي إلى آخر وهم يوزعون منشورات تخص البرنامج الانتخابي للحزب، يطلبون من المارة التصويت عليه، فهو حسب زعمهم المالك لمفاتيح التنمية لهذه المنطقة. بعيدا عنهم، كان شاب في الثلاثينات من العمر، يرتدي واقية عليها شعار الحزب، تبين من خلال التعليمات التي يصدرها وتدخلاته أنه المكلف بالإشراف على هذه الحملة.كان من بين المشاركين في هذه الحملة الانتخابية، علي (اسم مستعار) يبلغ من العمر 20 سنة، غادر الدراسة بعد أن فشل في اجتياز الباكلوريا، وبعدها حصل عل دبلوم في الميكانيك من معهد متخصص. عندما سئل عن البرنامج الانتخابي للمشرح الذي يسانده، بلدأ يتلعثم، حاول أن يستدرك هذا الارتباك باستخدام مفردات عامة، قبل أن يستسلم ويعترف أنه « ما مسوقش» للبرنامج، وإنما اضطر إلى مساندة المرشح مقابل مبلغ مالي يومي حدده في 100 درهم.بكل عفوية، يوضح «علي» :» الانتخابات فرصة من أجل ضمان مصروف لتلبية حاجياتي، فوضعي الاجتماعي ضعيف، وأنا في حاجة ماسة إلى المال لاقتناء الملابس وقضاء أمور أخرى، ولا أجد عيبا في حصولي على المال من أجل توزيع المنشورات». وواصل «علي» حديثه وهو يقدم المنشورات إلى كل من صادفه من المارة: « العمل سهل لا يكلفك جهدا بدنيا، ننظم الحملة الانتخابية في الصباح وفي الزوال، وبعدها أحصل على أجرتي وأغادر المكان». المرشح وعدني بـ"الحولي"إذا كان ضمان مصروف الجيب هم «علي»، فإن «فاطنة» (50 سنة) وجدت في هذه الانتخابات فرصة لتوفير مصروف الدخول المدرسي لأبنائها الثلاثة، وأيضا المال لاقتناء أضحية العيد، سيما أن زوجها يعمل مياوما، ومدخوله اليومي لا يكفي لتلبية كافة متطلبات الأسرة.كلفت «فاطنة» خلال الحملة بترديد الشعارات، ولا تتردد في بعض الأحيان في إطلاق الزغاريد، بصيغة أخرى «حياحة» من نوع ممتاز، تم استقطابها من قبل صديقة لها، على علاقة وطيدة بالمرشح، فهي تعتبر «عميلة « له بالحي، تتكلف باستقطاب النساء ودفعهن إلى التصويت لصالحه، أدركت هذه الصديقة حاجة «فاطنة» إلى المال، وأقنعتها بسهولة لمساندة هذا المرشح. تروي «فاطنة» أنها تتقاضى 150 درهما في اليوم، مبرزة أنها استطاعت ضمان هذه الأجرة بعد أن استجدت المرشح وكشفت له ضائقتها المالية ليمكنها من هذه الأجرة، بل وعدها باقتناء الأدوات المدرسية لأبنائها بمجرد وضع قدميه بالمجلس الجماعي، ولم يكتف المرشح بهذا الوعد فقط، بل سيعينها أيضا على اقتناء أضحية العيد.وبعد صمت قصير، قالت بنبرة تكسوها الابتسامة، « هذه المناسبة خاص الواحد استغل الوضع مزيان، المرشح غادي استافد أو خاصنا حتى احنا نستافدو منو». ذوو السوابق...حطب الحملات من بين الفئات التي يراهن عليها كثيرا، في هذه الحملات الانتخابية، ذوو السوابق، إذ يتكلف ويجاهد "الخرطاط" أيضا في استقطابهم وكسب ودهم، فهم "حطب الحملة الانتخابية"، وتكون عملية الاستقطاب قبل بدء الحملات الانتخابية بوقت يتجاوز الشهرين، سيما أن المنافسة على خدماتهم تكون قوية بين المرشحين. خلال الحملات الانتخابية، يحظى ذوو السوابق بشعبية كبيرة، من قبل المرشحين، الكل يتسابق على طلبهم، ترتفع أسهمهم بشكل كبير، بعد أن كانوا منبوذين من قبل سكان الحي. تناط بهم مهمة العمليات "العسكرية" خلال الحملة في حال وقعت مواجهة مع أنصار مرشح آخر، كما يعمل آخرون حراسا شخصيين للمرشح في حال قيادته شخصيا الحملة الانتخابية. استقطاب ذوي السوابق، يكلف الشيء الكثير، إذ يتقاضى من كلف برئاستهم مبلغ 300 درهم إلى 500 يوميا، في حين يتقاضى غيره 200 درهم، مع ضرورة تمكينهم من المخدرات والخمور بشكل يومي، أي حسب رشيد، يبلغ من العمر 28 سنة، وهو من ذوي السوابق، هي فرصة لا تتكرر كثيرا.كان رشيد رفقة زملائه قبل الانتخابات، يتقاسمون مكانا في الحي طيلة النهار، قريبا من بائع للسجائر بالتقسيط، يقضون أغلب الوقت في تدخين المخدرات بعد أن يتضامنوا في تأدية ثمنها، لكن مع انطلاق الحملات الانتخابية، اختفوا من المكان. بالنسبة إلى رشيد، الحملة الانتخابية، مناسبة من أجل جمع المال، فالمرشح خصص لهم مكافآت مغرية، ستمكنهم من توفير ما يحتاجونه من مخدرات لمدة طويلة.كشف رشيد أن المرشح يوفر لهم المخدرات والخمر، مبرزا أنه قبل لقائنا به احتسى كميات منه، إذ حسب اعتقاده أن المخدرات والخمر تزيل الخوف وتمكن متعاطيها من الشجاعة، خصوصا إذا وقعت مواجهة مع أنصار مرشحين آخرين.تعويضات بدل أجرة يوميةبمنطقة حي السلامة التابعة لعمالة مولاي رشيد، نظم مرشح حزب يقود الحكومة، حملة انتخابية منظمة و"أنيقة"، من خلال طريقة الحملة وحتى الشعارات المرفوعة، يتبين أن مسانديه، تطوعوا مجانا لمساندته عبر توزيع المنشورات وترديد الشعارات، إلا أنه رغم وجود مناضلين، يحظى عدد منهم بتعويضات عن القيام بحملة انتخابية، تقتصر على التنقل والأكل لا غير. يعترف الحبيب، وهو منسق الحملة الانتخابية للحزب المذكور، أنه يحصل على تعويضات من المرشح والحزب أيضا خلال هذه الحملة، إذ يؤكد" أنا أستغل سيارتي الخاصة في هذه الحملة، وبطبيعة الحال من الصعب التكفل بمصاريف الوقود لوحدي، خصوصا أنني مضطر يوميا لقطع العشرات من الكيلومترات، إما للإشراف على الحملة الانتخابية أو الانتقال إلى المطبعة للحصول على المنشورات أو عقد لقاءات مع قياديين محليين للحزب من أجل تقييم طريقة مرور الحملة الانتخابية، وبالطبع فهذه العملية مكلفة جدا". ورغم أنه لم يجد إحراجا في الاعتراف بهذه المعلومات، إلا أنه رفض بلباقة، تحديد قيمة مبلغ التعويض، لكن يظهر من خلال طريقة رفضه أنه فعلا مبلغ محترم.مصطفى لطفي

الحملات… سوق لتوفير مصروف الجيب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"الكلمة" والقرابة بدل البرامج بالبوادي

تفكيك شبكة تنصب باسم أمير إماراتي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات