في الوقت الذي كانت فيه الأعراس المغربية تستمر لأيام تتراوح بين ثلاثة أو أسبوع، صار العرس المغربي في الفترة الحالية في الغالب يقتصر على يوم واحد تشحذ فيه كل الإمكانيات المالية واللوجستيكية التي تضاعفت بشكل مهول.وبالموازاة مع الارتفاع الصاروخي لتكاليف الأعراس، تنبت على ضفاف هذا التحول، مجموعة من المظاهر التي يكون أبطالها أفراد أو فئات، تسعى إلى الاستفادة من هذا الوضع، إن لم تكن أحد عوامل استفحاله، فتفرز نسقها الخاص المشتمل على مجموعة من الحيل والألاعيب والمفردات الملغزة المتداولة بين المنتمين إلى المهن الملحقة بحفلات الأعراس أو ما يصطلح عليه ب"الغوص".وتعد الفرق الموسيقية والأجواق من أشهر الفئات التي أنتجت "غوصها" الخاص بها، لدرجة أن بعضها صار مستعملا حتى خارج مجالها التداولي، مثل كلمة "عومار" التي تحيل على المال سواء في الأعراس وجلسات السمر الموسيقي في الكباريهات والملاهي، إضافة إلى عبارات أخرى من قبيل "دريس" التي تعني وجبة العشاء، إذ عندما يخاطب موسيقي زميله بأن "دريس ما زال معطل" فهي إشارة إلى تأخر وجبة العشاء.ومن بين المصطلحات الأخرى المتداولة بين الموسيقيين "الفرن"، بتسكين الفاء وتحريك الراء، ويقصدون بها الاحتياط في الكلام وعدم انتقاد أي شيء يظهر أمامه على غير ما يرام في حفل العرس لأن "الوقت مخلطة"، كما يتداول الموسيقيون بينهم عبارة "المرحوم" في إشارة إلى الخروف المشوي.وفي حالات أخرى تكون فيها "الغرامة" قليلة، يلجأ بعض الموسيقيين إلى بعض الحيل والألاعيب التي يعبرون فيها عن امتعاضهم وتذمرهم من أهل العرس، كأن يعتمدوا إيقاعات ثقيلة وجمل موسيقية رتيبة، أو يتوقفون وسط العزف، ويتظاهرون بإصلاح الآلات الموسيقية أو معدات الصوت، وعند اقتراب نهاية الوصلة الموسيقية يغمز الموسيقي زميله بعبارة "براهيم" أو "شري السلك".وتختلف مصطلحات "الغوص" بين كل فئة وأخرى، ف"الدقايقية" والفرق الموسيقية التي تصاحب دخول العريسين، لهم مصطلحاتهم الخاصة التي تختلف عما يتداوله الموسيقيون الذين يحيون الليلة من أولها إلى آخرها.أما المسمّعون وموسيقيو الآلة الأندلسية والذين غالبا ما يكونون في الأعراس الباذخة، فلهم أيضا مصطلحاتهم الخاصة، منها "الواليد عيان" في إشارة إلى ضعف الأجر المتقاضى في العرس، أو "بوبكر" الذي يحيل في عرفهم على الشواء، وغيرها من المصطلحات التي تمر بينهم دون أن يفقه فيها من هو خارج منظومتهم شيئا.عزيز المجدوب