يستقطب توفيق النوري إمام مسجد الرضى بطريق إيموزار، عددا قياسيا من مصلي تراويح رمضان بفاس. بصوته الجميل والقوي وخشوعه، كسب عشق المصلين ممن يقدرون بالآلاف، ويضيق بهم المسجد بما رحب. لكن الرجل من شدة تواضعه، يبعد الأنا في حديثه عن الاستقطاب، مقحما لجينة المسجد في ذلك، لدورها في ترتيب أجوائه وحرصها على نظافته وتدخلاتها الخيرية والإنسانية. منذ حلول هذا الشهر الكريم يحطم المسجد الذي يؤمه توفيق ابن مدينة صفرو، مصليه منذ 5 سنوات خلت، كل الأرقام إلى درجة يعج فيها بحوالي 4 آلاف مصل كل ليلة يفدون عليه من مختلف الأحياء، ولا يسع لهم طابقاه العلوي والأرضي والشارع المجاور، وحتى فضاء مجاور لمنزله، ليبلغ الذروة ليلة الختم، محطما أرقاما سجلتها مساجد أخرى من قبيل يوسف بن تاشفين والتجمعتي. وفي الإقبال سر إخلاصه في تلاوة القرآن لله تبارك وتعالى وتوكله عليه، وصوته القوي "عطاء وهبة من الله" و"القراءة تخرج من القلب لتصل إلى قلوب الناس" بتعبير الرجل المزداد في 1984، أبو سعد ذو الخمسة أعوام ومروة التي لم تكمل ربيعها الثاني. ويفتخر بتحايا المصلين والارتياح والرضى البادي في عيونهم، بإنهائه التراويح كل ليلة، وإتمامه مهمته ورسالته على أحسن ما يرام. "أدعو الله أن يوفقنا إلى الخير ويترك لنا صوتنا ليصل القرآن إلى قلوب الناس". ذاك رد توفيق إمام المسجد وخطيب مساجد أخرى نيابة عن بعض زملائه، على كل رضى قد يبديه مصل، دون أن ينسى خير أمه فاطمة الزهراء بغالي علوي التي فتحت عينه على القرآن منذ صغره، وفضل الحاجة للاخدوج الفيلالي عليه لقراءة القرآن الكريم والمثابرة وإنفاقها عليه ب"التخنيشة". منذ توفي والده دون أن يكمل الشهرين من عمره، والمرأتان في حرص شديد على حسن تربيته وفتح بوابة العلم في وجهه، قبل أن يحفظ القرآن كاملا وعمره 15 سنة، وينال جوائز مختلفة ويتتلمذ على أيدي شيوخ مغاربة وبدول عربية كانت له منهم إجازة أو سند متصل بالحضرة النبوية، قبل أن يسجل المصحف المحمدي الذي أهداه بداية الأسبوع الجاري للملك في ثاني الدروس الحسنية. منذ مغادرته المدرسة مبكرا، التحق توفيق بمعهد البعث الإسلامي بوجدة حيث تتلمذ على يد مصطفى بنحمزة بدار للقرآن بطريق سيدي يحيى، قبل أن يعود إلى صفرو ويتتلمذ على يد الفقيه لسان الدين بمسجد بئر أنزران، ليلتحق بمسجد بالعرائش، قبل أن يختم القرآن على يد الشيخ العلوي الصوصي في المعهد الديني الإمام الهبطي بدوار الحريشة بقرية با محمد بإقليم تاونات. وقرأ الإمام توفيق النوري الذي زادت شهرته مع توالي السنوات التي قضاها في هذا المسجد، القراءات السبع على يد أحمد الحساني تلميذ الشيخ المكي بنكيران واحد من أعلام فاس، الذي درس على يد ابنه عبد المجيب بنكيران، قبل أن يسطع نجمه وينال جائزة محمد السادس قبل 9 أعوام، ويمثل المغرب في مسابقة القارئ العربي في دولة لبنان في سنة 2008. ويفتخر الرجل بتسجيله المصحف المحمدي الذي أهداه لجلالة الملك، قبل عام تحت رعاية مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف وطبعه، ما سيفتح آفاق جديدة في وجهه تزيد اسمه متانة بين زملائه الأئمة، خاصة أمام ما يعرف عنه من تواضع وحسن خلق يمكن اكتشافه بمجالسته وسط أسرته الصغيرة، وحفاوة استقباله لضيوفه واحترامه لهم ولمرتادي المسجد الذي يؤم الناس فيه للصلاة. حميد الأبيض (فاس)