الإجهاض السري… لا غالب ولا مغلوب

أمير المؤمنين يحيط التداول حول الإجهاض بضمانات "لا أحرم حلالا ولا أحل حراما" بدا أن السكين وصل إلى العظم في موضوع الإجهاض السري بالمغرب، إذ تتواتر الأرقام المخيفة لحالات التخلص من الأجنة تصل إلى حوالي 800 عملية في اليوم (ضمنها 200 حالة إجهاض تقليدي)، يجري، أغلبها، في شروط غير صحية داخل عيادات عشوائية، أو لدى مولدات و«قابلات» يشتغلن خارج القانون، وتنتهي، في عدد من الحالات، إلى وفيات وجرائم قتل يتواطأ الجميع في التستر عليها. الموضوع تجاوز حدود الممكن، ولم يعد مسموحا السكوت عنه، أو رهنه لدى نخبة من المثقفين وعلماء دين وحقوقيين وأطباء يتداولون في إشكالياته بكثير من الصخب والتشكيك، وتنفض «نقاشاتهم»، عادة، بتراشق اتهامات التخوين والإلحاد والتطرف، ليطوى الملف إلى حين.فمنذ أشهر، أدرك المغرب أن الاقتراب من حقول الإجهاض السري، بكل ألغامه وأسلاكه الشائكة، أهون من ترك الحبل على الغارب، في موضوع تتفشى أعطابه وانعكاساته يوميا وتطفو على السطح، وتصيب شظاياها صورة المغرب الذي يبذل مجهودات استثنائية في مجال الصحة الإنجابية، ومجهودات أخرى للحفاظ على كرامة النساء الحوامل وحقوقهن ووضع الأطفال والأجنة، مهما كانت الأسباب.لهذا، كانت مبادرة جلالة الملك الذي أعطى توجيهاته إلى وزيري العدل والشؤون الإسلامية للتفكير في مشروع قانون للإجهاض السري، ضرورية لوضع النقاش في سكته الطبيعية، وإشاعة نوع من الاطمئنان لدى المغاربة أن موضوعا بكل هذه التعقيدات، هو موضوع محاط بضمانات أمير المؤمنين على نحو شخصي، ولا يمكن لأحد التطاول عليه، أو فرض وجهة نظره ووصايته ومرجعيته، خارج أدبيات التوافق والإنصات والاحتكام إلى الأرضيات المشتركة، قريبا من منطق «لا غالب ولا مغلوب».فقد أخرجت مبادرة جلالة الملك النقاش حول الإجهاض من المناطق السرية والمعتمة، حيث تنط النعرات والفتن والاصطفافات المقيتة، إلى نور النقاشات العمومية في أوساط المجتمع وعلماء الدين والحقوقيين وذوي الخبرة القانونية دون تعسف على تعاليم الإسلام، أو مصادرة حقوق وكرامة الإنسان، مع مراعاة الالتزام الملكي الشهير بأنه لن يحرم حلالا، ولن يحل حراما، والكلام واضح المعنى، وسطي في مقاصده وغاياته. ومن المؤكد، تبعا لذلك، أن تراعي التعديلات القانونية المرتقبة ثلاثة جوانب أساسية: الجانب الديني، إذ يفترض التوصل إلى صيغة تحفظ قيم المغاربة ودينهم، أو ما يسميه أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، المحافظة على الكليات الخمس، وفي مقدمتها المحافظة على الدين والنفس، وهذا يقتضي تفسيرات موافقة للنصوص الدينية وتبصرا وبعد نظر كبيرين بالنسبة إلى العلماء المغاربة الذين سيعهد لهم النقاش الرسمي في هذا الموضوع الشائك على غرار ما جرى قبل سنوات بالنسبة إلى مدونة الأسرة.الجانب الثاني، يتعلق بالتعديلات القانونية وتجميع مختلف النصوص المشتتة في عدد من المدونات والمساطر وتأهيلها لتصبح نصا جامعا واحدا يزيل مناطق الغموض والتأويل والقراءات المختلفة، بناء على أرضية للتوافق بين جميع الأطراف المعنية، وتزاوج بين التطورات الجارية في موضوع الإجهاض السري وتعاليم الشريعة الإسلامية.أما الجانب الثالث، وإن كان عرضيا، فهو أساسي في بناء تصور موحد حول موضوعات الإجهاض السري، ويتعلق بالجانب الحقوقي، إذ ينبغي التفكير الجماعي والتعددي حول سبل إصلاح المقتضيات القانونية، والإنصات إلى نبض المجتمع المدني، سيما الجمعيات المدافعة عن حقوق النساء والأطفال، وجميع الفعاليات ذات الاختصاص، مثل الأطباء والباحثين في علوم الأجنة والولادة.وقد تظل هذه التعديلات القانونية مجرد نصوص جامدة، إذا لم يواكبها عمل آخر على مستوى وزارة الصحة، سيما على مستوى التكفل بالمرأة، التي تعرضت للإجهاض تحت أي ظرف ومنع متابعتها قانونيا، والتوجه إلى إرساء خطة عمل، بالتوافق مع وزارة العدل والشؤون الإسلامية، تسمح، مثلا، للمرأة التي تعرضت إلى عنف جنسي، باستعمال موانع الحمل السريعة المفعول، أو التركيز على سبل الوقاية من الحمل غير المرغوب فيه، بتطوير برامج التربية الجنسية والإنجابية، ودعم أدوار المدرسة والأسرة، ومنظمات المجتمع المدني ومنظومة العدالة للحد من جرائم الاغتصاب والاعتداءات الجنسية وزنا المحارم.يوسف الساكت

الإجهاض السري… لا غالب ولا مغلوب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"الطاس" استمعت إلى دفوعات لقجع

تبرئة متهم بسرقة 4 ملايير

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات