جمعية الشعلة للتربية والثقافة تستعيد مسار الشاعر الراحل وذاكرته الإنسانية في ليلة رمضانية مليئة بالحنين، اجتمع العديد من أصدقاء الشاعر الراحل محمد عنيبة الحمري، الجمعة الماضي، بقاعة دار الشباب بالحي المحمدي، ليخلدوا ذكراه ويحيوا كلماته التي ما زالت حية في ذاكرة كل من عرفه. وأشرفت جمعية الشعلة للتربية والثقافة على حفل تأبين الراحل الحمري، الذي يعد أحد الوجوه الثقافية التي شاركت في بناء هذا الصرح، حيث شكلت جمعية الشعلة فضاء احتضن لحظات أساسية في مساره الشعري، ما جعل تأبينه ذا رمزية قوية، إذ في أنشطتها أنشد المرحوم قصائده في مناسبات ثقافية متنوعة، في ضيافة جمعية الشعلة التي واكبت فعلها الثقافي والتربوي لخمسة عقود. وشهد الحفل حضور أجيال مختلفة من أصدقاء الراحل وزملائه وبعض من عايشوه في بعض مساراته الإبداعية، وأفراد من حيه وجيرانه بالحي المحمدي إلى جانب عائلته، بالإضافة إلى أدباء ونقاد وشعراء وفنانين ورياضيين، جاؤوا ليشعلوا شمعة في درب الذكرى، ويستعيدوا ملامح صوته، وتفاصيل رحلته، وكلماته التي تركت أثراً في عالم الشعر. وانطلق الحفل بالحديث عن طفولة الراحل، عندما كان صبيا هادئا، يكتشف سحر الحروف في أزقة الحي وفي جدران المدرسة، كما كان يخط أولى كلماته مستلهما المعاني من الكتب القديمة، ويصنع عالما خاصا به منذ سنواته الأولى، إذ كان واضحا منذ البداية أنه لا يشبه أقرانه، فكان يقرأ بنهم وينحت الكلمات كما ينحت الفنان تمثاله الأول. ومع دخوله إلى المرحلة الإعدادية، بدأ عشق الحروف يتحول إلى فعل إبداعي حقيقي، وكتب أولى محاولاته الشعرية، وقرأها على أصدقائه بثقة، دون خوف من النقد. وفي سنوات شبابه، ازداد ولعه بالكلمة وصار يقتفي أثر كبار الشعراء، ويحفظ أبياتهم، ويغوص في أعماق الأدب، بالإضافة إلى السعي لإضفاء روح جديدة على القصيدة، ليجعلها صوته الداخلي، وعندما أصدر ديوانه الأول، كان ذلك بمثابة ولادة جديدة له، حمله بين يديه بكل فخر وقال لأصدقائه: "الآن فقط بدأت الرحلة." وتوالت الشهادات من الحضور، والكل كان يتحدث عن شاعر لم يكن مجرد صوت عابر، بل كان صوتا يمتد في أفق الشعر المغربي، مستعيدين محطات من مسيرته، من حواراته العميقة ونضاله من أجل قصيدة تتخطى حدود الكلمات لتلامس الهم الإنساني، كما تحدثوا عن التزامه بالشعر ورهافة إحساسه، وعن محاولاته الدائمة لتوسيع أفق القصيدة. وحسب عدد من الشهادات، فإن محمد عنيبة الحمري لم يكن شاعرا فقط، بل كان ذاكرة ثقافية وإنسانية حية، إذ كان يرى في الكلمة أداة مقاومة، ورحلة بحث لا تنتهي. خالد العطاوي