لم تعد السيادة تقتصر على صون التراب، بل تشعبت أركانها بسبب ارتفاع التوتر في العلاقات الدولية وتضاعف منسوب الحرص على المصالح القومية، فظهرت فروع أخطر من المفهوم الأصلي، من قبيل السيادة المالية والطاقية والغذائية، إذ كيف تتسابق دول على التسلح في وقت يوجد قرار الحرب في يد من يزودها بالقمح؟ وشيئا فشيئا، أصبح الأمن الغذائي بشكله الموسع الذي يشمل الشق المائي والطاقي هاجس الدول، بما فيها تلك التي تصنف في دائرة العالم الأول والثاني، بعدما تعقدت طرق المبادلات العالمية وتعددت مرتكزاتها، بدءا من التهيئة اللوجستيكية إلى التنقيب عن الصناعات والمهن والأنشطة ذات القيمة المضافة في البورصات الدولية الكبرى. لم يعد بالإمكان في عالم اليوم الحديث عن الاكتفاء الذاتي، لأن السيادة كل لا يتجزأ، فقد ولى زمن الفلاحة المعيشية التي تتطلب أن تكون الخلية الأولى في المجتمع هي الأسر القروية الآخذة في التقلص بفعل التمدد الحضري. كل تلك المعطيات المستجدة دفعت المغرب، على مسار الجمع بين الخبرة في مجالات الطاقة المتجددة وتحلية المياه والإستراتيجيات الفلاحية المتكاملة، ومحاولة التموقع فاعلا رئيسيا في تفعيل ترابط الماء-الطاقة-الأمن الغذائي والنظم البيئية لبناء مستقبل أكثر مرونة واستدامة. وذلك ما أكدته إيلاريا كارنيفالي، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالمغرب، أول أمس (الأربعاء) بطنجة، في كلمة خلال افتتاح الدورة الثانية من منتدى”نيكسوس ويفي"، عندما كشفت بأن المغرب يحظى باعتراف واسع النطاق، باعتباره رائدا في مجالات الانتقال الطاقي وتحلية المياه، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بفضل مبادرات طموحة رامية إلى تشجيع الحلول الطاقية المستدامة وضمان التزود بالمياه. لكن هذا التحول الإستراتيجي ضروري ومستعجل خاصة في مسألة للتدبير المستدام للماء والفلاحة، بالنظر إلى أنهما قطاعان مترابطان بشكل عميق، لأن تحسين فعالية استخدام الماء، وزيادة حصة الطاقات المتجددة في المزيج الطاقي، وتعزيز النظم الغذائية المستدامة، هي مداخل بناء مستقبل قادر على الصمود في مواجهة تأثيرات المناخ. وبالمقابل، لا ينبغي تنحية فكرة الاكتفاء الذاتي لأنه سيكون الحل الوحيد في حالة الفوضى العارمة، التي تنذر بها بؤر التوترات الجيو-إستراتيجية والصراعات الإقليمية، فضلا عن تداعيات جائحة مرت وتهديدات أوبئة قادمة. وفي ظل هذا الانهيار الواسع للأنشطة الاقتصادية واختلال سلاسل القيمة العالمية، وجب الإسراع بوضع لبنات منظومة غذائية مستدامة لتحقيق سيادة غذائية تلبي متطلبات المغاربة عموما، لا أن تكون عرسا لذئاب الريع والمصالح الخاصة. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma