كرست الحاجة زهراء حياتها لتربية سبعة أبناء وتعليمهم، وهي التي أنجبت عشرة أبناء ثلاثة منهم لم يكملوا الأشهر الأولى ليفارقوا الحياة.ومنذ أن فقد زوجها حاسة السمع سنة 1963، وانشغاله بالبحث عن العلاج وما يعنيه ذلك من آثار نفسية واجتماعية على الأسرة، لعبت الحاجة زهراء دور الأب والأم في آن واحد.رغم ظروف الأسرة حرصت الحاجة على تعليم ابنتيها، فيما كان ابنها الثالث حينها في سن الثانية، والرابع توفي بعد بضعة أشهر من ولادته، ما ضاعف معاناتها وزادت ظروفها تأزما بعد مغادرة الزوج عمله معلما بإحدى مدارس سيدي يوسف بن علي. رغم ذلك كانت الحاجة زهراء تراقب تعليم أبنائها، وتصر على اجتهادهم، فيما كان الأب يواصل رحلة البحث عن العلاج.لم تتوان الحاجة في القيام بواجباتها، خاصة مراقبة نتائج الدراسة، والتعامل بصرامة كبيرة مع أبنائها السبعة، و"سلاحها" في ذلك خيط المكواة، فكل من خالف أوامرها تنتظره في المساء وجبة ساخنة لا تميز خلالها الحاجة مكان السوط قبل أن تكتشف في الصباح آثاره على الوجه أو الأطراف لتباشر وضع مساحيق طبيعية وأعشاب تقليدية لإخفائه.بين المولود الأول سنة 1955 والأخير 1975 عشرون سنة تكلفت خلالها بتربية الأبناء وتعليمهم، صارت مقررات الأدب الشعري بالنسبة إلى ابنتها البكر، والرياضيات والفيزياء والطبيعيات لابنتها الثانية، جزءا من حياتها، وأصبحت تعرف تفاصيل الشعب التي اختارها أبناؤها.تواكب انشغالات الأبناء وحبهم لبعض الفرق الرياضية بمراكش، تسأل عن نتائج الكوكب المراكشي ومباريات المنتخب الوطني لتقترب من أولادها، تمسك الدفتر وتطلب من الابن الأوسط استظهار بعض الدروس رغم أنها لم تتلق تعليما من قبل، تسأل عن ظروف الاختبارات الشفوية بالكلية وتصر على هندام أبنائها، لأنه في نظرها يلعب دورا مهما في الامتحانات مذكرة بشقيقها الذي كان يعمل مفتشا وكيف كانت تهيئ ملابسه، قبل أن تتزوج وتنتقل إلى بيتها.منذ 1979 ستتغير حياة الأسرة، وينطلق مسلسل توظيف الأبناء بعضهم في التعليم والبعض الآخر في القطاع الخاص، وانتهى عبء الامتحانات التي كانت تشكل كابوسا للحاجة وهي تتابع النتائج، ليتحول اهتمامها إلى البحث عن العريس المناسب والعروسة المصونة لتكتمل فرحة الأسرة، إلا أن وضعية الأب الصحية تدهورت خصوصا بعد إصابته بمرض السكري والقلب والضغط الدموي.كانت الحاجة تخفي معاناتها الصحية، والظهور بمظهر القوي لترتيب أمور البيت في صمت. وليبر الأبناء بأمهم فاجؤوها بتذكرة أداء مناسك الحج.بعد وفاة الزوج انضافت أعباء التسوق على الحاجة، التي كانت تتجه في صمت إلى الوهن إلى أن خارت قواها، ولم تعد قادرة على القيام بأشغال المنزل، بل أضحت بعد ذلك تجد صعوبة كبيرة في الحركة، وتضطر إلى استعمال كرسي متحرك، في حين اتخذ الأبناء خادمة لمساعدتها، لتقضي بقية أيامها منتظرة زيارة الأحفاد الذين يملؤون بيتها فرحا كل نهاية أسبوع.محمد السريدي (مراكش)