كثيرا ما تثار، خلال المحاكمات، والتي يكون من بين المتابعين فيها رجال أمن أو درك أو حتى قضاة، مسألة التعليمات التي يتلقونها لمناسبة القيام بإجراء معين، والتي غالبا ما يتذرعون فيها بأنهم تلقوها بشكل شفوي، ولا وجود لأي وثيقة تثبت ذلك الإجراء، الذي هو محط مساءلتهم. مسألة التعليمات في الشق المتعلق بالشرطة القضائية لم يكن القانون حاسما بشأنها بشكل مباشر، وإنما ظلت تحمل بعض الضبابية في التفسير، إذ أن دستور المملكة عندما تحدث في الفصل 128 عن عمل الشرطة القضائية أكد أنها تعمل تحت سلطة قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق، في كل ما يتعلق بالأبحاث والتحريات الضرورية بخصوص الجرائم وضبط مرتكبيها ولإثبات الحقيقة، وهو ما يفتح الباب أمام ما يتم التذرع به في تبرير الأفعال المرتكبة، لأن النص الدستوري سكت عن الكيفية التي يتلقون بها هؤلاء الضباط تلك التعليمات، على خلاف ما ضمن في الفصل 110 من الدستور نفسه الذي أكد أنه يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون، كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها، ليسد الباب أمام أي تأويل بشأنها، كما أن قانون المسطرة الجنائية عندما نص على التعليمات أو الأوامر التي يتلقاها ضباط الشرطة القضائية من قبل النيابة العامة، فإنه لم يبين شكل هذه التعليمات، فهل تستوي في ذلك التعليمات سواء كانت شفوية أو مكتوبة أم الأمر غير ذلك؟ المشرع الدستوري في الفصل 110 حمى قاضي النيابة العامة، الرئيس والمرؤوس، بأن جعل تلك التعليمات التي يصدرها سواء وكيل الملك أو الوكيل العام للملك، كتابية، حتى يتسنى للمرؤوس نائبا لوكيل الملك أو نائبا للوكيل العام تطبيقها، درءا لأي شبهة في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإذا كان هذا هو حال التعليمات بين قضاة النيابة العامة ورؤسائهم من القضاة أنفسهم، فمن المرجح أن يكون الأمر نفسه بين قضاة النيابة العامة ومرؤوسيهم من ضباط الشرطة القضائية، وفاء للنظام التفتيشي وتفاديا لكل خطأ محتمل إن بحسن نية أو بسوئها من قبل الجانبين، لأن الغاية من ذلك هو التطبيق السليم للقانون. التعليمات الشفوية وإن تم الحسم فيها في شأن عمل النيابة العامة إلا أنه غالبا ما تثار بخصوصها استفهامات عدة في بعض القضايا، التي لا يتم التشبث فيها بالنص القانوني، ويحل الهاتف محل الكتابة، بعلة أن ذلك الإجراء يحمل نوعا من الاستعجال، وعندما يخرق المسؤول القانون، فالنتيجة الحتمية أن ذلك المرؤوس سينهج الطريق نفسه، ويستبيح لنفسه أن يخرق القانون، بعلة الاستعجال، وقد تكون لذلك الإجراء نتائج سلبية، يذهب ضحيتها العديد. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma