بنعليلو يعتبر المواطن أولوية ويقدم توصياته في شأن العديد من القضايا كشف التقرير السنوي الأخير لمؤسسة الوسيط، عن منهجية عمل، لرصد تمظهرات عرقلة جهود التطوير الإداري، ومتطلبات تحقيق علاقات ارتفاقية مستجيبة لمعايير الجودة المنتظرة، ورافعة لمنسوب الثقة في أداء الإدارة. واعتمد التقرير الذي رفع إلى الملك محمد السادس، أخيرا، على منظور يتجاوز مطلب الإصلاح الإداري المتجسد في تقويم أنظمة الإدارة العمومية وتشريعاتها، إلى تصور أعمق يجعل خدمة المواطن في صلب اهتمامات السياسات العمومية التنفيذية، ويشيع لديه الاطمئنان على حقوقه الارتفاقية، في سياق أمن إداري مستدام. إنجاز: كريمة مصلي أكد وسيط المملكة أن من أكبر تحديات التطوير التي واجهت المؤسسة، العمل على جعلها أكثر انفتاحا وقربا من المواطن، وتجسيدا لذلك، حرصت على تطوير منظومة التظلمات الإلكترونية خلال 2019، والتي كان لها الأثر البين في تعزيز آليات القرب وفي تنويع أشكال وطرق الولوج إلى خدمات المؤسسة وجعلها في متناول المرتفق بأقل مجهود، وهو ما نتج عنه ارتفاع ملحوظ في عدد الشكايات والطلبات والتظلمات المقدمة عبر "فضاء المواطن"، إذ انتقل من 197 ملفا مسجلا في 2019 إلى 2239 ملفا واردا، أي بمعدل نمو سنوي بلغ 83,61 %، كما عملت المؤسسة، على ضبط منصة "ألو الوسيط" المخصصة لاستقبال مختلف مكالمات المواطنين، ما مكن من تسجيل تطور ملحوظ في عدد المكالمات الهاتفية التي تلقتها المؤسسة عبر هذه المنصة، ترجمه ارتفاع معدل النمو السنوي الذي بلغ 23,69 %. بالمقابل، أفرز هذا التوجه في عمل المؤسسة نحو توفير خدمات عن بعد لفائدة مرتفقيها، والمجسد للتحول في أشكال وطرق الولوج إليها، تراجعا في عدد الملفات التي تلقتها مكاتب الاستقبال والتوجيه بمعدل انخفاض سنوي بلغ 20,52 %. تنفيذ الأحكام... المعضلة المستمرة قال وسيط المملكة في التقرير السنوي إن المؤسسة دأبت على اعتبار عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الدولة وأشخاص القانون العام، إخلالا يتعين القطع معه في أسرع وقت، ووجدت المؤسسة نفسها هذه السنة أيضا مضطرة أمام تزايد التظلمات المقدمة بهذا الشأن إلى الإشارة إلى الاختلال ذاته، بعدما أضحى الوضع مقلقا بسبب ما يتركه من انطباع لدى المحكوم لهم من عدم الثقة في جدوى اللجوء إلى التقاضي، ولما ينطوي عليه الأمر من خرق لمقتضى دستوري يتعين على الكل احترامه، بل يضع الثقة في مؤسسة القضاء على المحك، ويخل بمبدأي الأمن القانوني والأمن القضائي القائمين على الشعور بالعدالة والاطمئنان المتوخى من سلطة الفصل في الخصومات وحماية الحقوق والحريات بموجب مقتضيات وأحكام القانون ومتطلبات سيادته. وأكد الوسيط أن الإخلالات المرتبطة بعدم تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية اتخذت تمظهراتها صورا متعددة، تتباين بين تجاهل الإدارة لأمر التنفيذ وعدم المبادرة إليه رغم صيرورة الأحكام نهائية وتذييلها بالصيغة التنفيذية، وبين امتناعها الكلي والصريح عن التنفيذ، أو التمادي في التأخر فيه، بالرغم مما يترتب عن ذلك من آثار سلبية على كل من المحكوم لفائدته، الذي غالبا ما يتم إثقال كاهله باللجوء إلى مساطر موازية لضمان التنفيذ، وعلى الإدارة نفسها، بالنظر لما ينجم عنه من فوائد تأخير لفائدة المحكوم له قد تفوق في بعض الأحيان أصل المبلغ المحكوم به، أو ما قد يترتب عنه من استصدار أحكام قضائية بالتعويض عن عدم التنفيذ، فضلا عما قد ينتج عن ذلك من غرامات تهديدية ومبالغ تصفيتها، ومن حجوز يتم إيقاعها على حسابات الإدارة أو عقاراتها في حالة سلوك هذه المساطر، أخذا بعين الاعتبار ما لها من تأثير على الأداء الإداري والمرفقي، بالإضافة إلى صور أخرى للتجاهل، تأخذ شكل التنفيذ المتجزئ أو الناقص أو المعيب، أو شكل التمسك بمبررات غير منطقية أو سبق التمسك بها خلال مرحلة المحاكمة وردتها المحكمة بتعليلات واضحة، أو اللجوء إلى سلوك مساطر أو مباشرة طعون غير موقفة للتنفيذ، أو إثارة صعوبات واقعية أو قانونية لا توجد إلا في مخيلة الإدارة. رقمنة الخدمات... إخلالات تدبيرية وقف وسيط المملكة على إخلالات تدبيرية، في شأن رقمنة الخدمات، تهم مظاهر سوء استخدام الرقمنة أو عدم ضبط آليات اشتغالها وعدم التعاطي الجاد مع الصعوبات التي تطرحها وعدم العمل على تلافيها، مما يؤدي إلى نتيجة عكسية ويخلق مجالا أكبر لتكريس غياب التفاعل، ويشكل ترسيخا للصعوبات والعقبات التي تحد من آليات الولوج المتاحة للمرتفق، وهو ما قد يمس بالتصور العام لدى متلقي الخدمة الإدارية حول مدى فعالية الرقمنة في تقديم الخدمات الارتفاقية بشكل عام، وفي هذا الشأن، اعتبرت المؤسسة أن عدم معالجة طلبات المرتفقين المقدمة إلى الإدارة عبر فضاء مرقمن، بسبب إخلالات تدبيرية تتعلق بالنظام المعلوماتي المعد للاستقبالات، تتحمل مسؤوليته الإدارة المعنية ولا يمكن مواجهة المرتفق به، وأن تفويت فرصة تقديم طلبه داخل الأجل القانوني أو حرمانه من المشاركة في ما هو محق فيه، يشكل مساسا بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، وترتب بالتبعية مسؤولية الإدارة عن هذا الإخلال وأحقية المعني بالأمر في المطالبة بجبر الضرر في حال ثبوته. مدونة الأسرة... غياب ممارسات ارتفاقية أكدت مؤسسة وسيط المملكة، أن تفعيل روح مدونة الأسرة، يظل رهينا بترجمة نصوصها وموادها، في سياق يضمن التمتع بالحقوق الارتفاقية بشكل حداثي عادل وفعال، مع ما يتطلبه الأمر من تبصير إجرائي لتجاوز مجموعة من الحواجز السلوكية والتنظيمية، التي تعزى بشكل أو بآخر إلى التطبيقات الارتفاقية المرتبطة بالمدونة، في فهم موروث عن زمن مدونة الأحوال الشخصية. واعتبرت المؤسسة أن جوانب القصور والخلل لا ترجع فقط إلى بنود المدونة، وإنما إلى غياب ممارسات ارتفاقية تضمن كل شروط ومتطلبات العدالة الإدارية في فهم وتصريف الحقوق الأسرية، وإلى هيمنة سلوكات تدبيرية نمطية، ومن هذا المنطلق كانت مذكرة المؤسسة دعوة إلى تحقيق أهداف ارتفاقية من منظور أسري، موضحة في الوقت نفسه أن المؤسسة بالاستناد إلى اختصاصاتها الدستورية والقانونية، تستطيع الإحاطة ببعض ما يعتري التدبير الإداري، من هفوات أو نواقص أو اختلالات ارتفاقية، بالنظر لما تراكم لديها من مؤشرات كانت نتاج تشخيص عرض للأداء الارتفاقي ذي الصلة بالمدونة. ودعت مؤسسة وسيط المملكة إلى جعل مقترحات التعديلات المزمع إدخالها على مدونة الأسرة، فرصة لتوضيح التقاطعات القائمة بين مقتضيات مدونة الأسرة في أبعادها المرجعية، وبين الآثار الإجرائية والمسطرية المتناثرة بين مختلف القوانين المنظمة للحياة الارتفاقية، عبر مصفوفة وصفية تتضمن مختلف أحكام ونصوص المدونة، والإجراءات الإدارية المتعلقة بها، لتكون موجها يعتمد لإقرار التعديلات القانونية أو التدبيرية الموازية، ودليلا عمليا للعاملين في مختلف الإدارات العمومية في موضوع تصريف القضايا الارتفاقية على الصلة بالأسرة. استمرار مظاهر الظلم الإداري أبرز التقرير استمرار مظاهر الظلم الإداري، الذي يتعرض له المواطنون، وتفشي الفساد الإداري الذي أصبح يشكل عائقا كبيرا أمام جهود الإصلاح والاستثمار، مشيرا إلى أن المؤسسة استقبلت خلال الفترة الممتدة من 2019 إلى 2023 ما مجموعه 29270 ملفا، أي بمعدل 5854 ملفا سنويا. وأشار التقرير إلى تغيير ملحوظ في طبيعة الملفات الواردة على المؤسسة خلال السنوات الخمس الماضية، إذ ارتفعت نسبة التظلمات بشكل كبير، مقارنة بأنواع الملفات الأخرى. فقد سجلت التظلمات نموا سنويا بلغ 12.63%، واحتلت الرتبة الأولى في الملفات الواردة بنسبة 74.37% من إجمالي الملفات المسجلة عام 2023، مقارنة بـ57.15% في 2019. وبذلك، شكلت التظلمات نسبة 67.27% من مجموع الملفات المسجلة، خلال الفترة المذكورة. وأوضح التقرير أن التعامل مع الاختلالات التي تؤثر على أداء المرافق الإدارية يجب أن يتجاوز النظرة السطحية التي تعتبرها مجرد حالات منعزلة، داعيا إلى تحليل عميق لأبعاد هذه الاختلالات وجذورها، وتحديد ما إذا كانت ناتجة عن عوامل عارضة يمكن تجاوزها بسهولة، أم أنها تمثل سلوكات متأصلة في ثقافة الأداء الإداري والضمير المهني، إذ يصبح من الضروري تبني حلول جذرية تتعدى مستوى الرصد إلى التنفيذ الفعلي لتوصيات المؤسسة، بالإضافة إلى تعزيز مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وأعربت المؤسسة في التقرير نفسه عن قلقها من تحول الإدارة من أداة فاعلة في عملية الإصلاح إلى عنصر يعرقلها، مشيرة إلى أن بعض الممارسات التي تم الكشف عنها في تقارير سابقة ما زالت مستمرة، مما يؤدي إلى استنزاف الجهود والوقت في معالجة هذه التعثرات، مضيفة أن بعض الموظفين يسعون للحفاظ على مواقفهم حتى لو كانت مخالفة للقانون، بدلا من أداء واجبهم في تحقيق العدالة وإنصاف المرتفقين. الجدية... خارطة طريق المؤسسة قال محمد بنعليلو، وسيط المملكة في تقديمه للتقرير السنوي للمؤسسة الذي رفع إلى الملك محمد السادس، إنه استلهاما لروح وجوهر الخطاب الملكي السامي لـ 29 يوليوز 2023، لمناسبة تخليد ذكرى عيد العرش، واستحضارا للتوجيهات الملكية السامية المستخلصة من مضامينه، خص تقرير المؤسسة لهذه السنة، موضوع "الجدية " باعتبارها موجها حكاماتيا جوهريا من أجل الارتقاء بجودة الخدمات الإدارية العمومية، بمزيد من الاهتمام والتحليل، بغية إعادة فتح النقاش العمومي حول ما أثارته مضامين الخطاب الملكي السامي، وما سطره من دلالات متعددة لمعنى "الجدية"، وتجديد الدعوة إلى تبني مقارباته، من قبل مختلف الفاعلين والمهتمين، للقطع مع كل مظاهر "اللاجدية" من لامبالاة وتهاون وتراخ وتقصير وسطحية وإغفال وإهمال وتساهل وعرقلة، وبالتالي، المضي نحو تصحيح الأخطاء وتقويم الاختلالات وتدارك التعثرات، ومواصلة العمل على خدمة الوطن والمواطنين بكل جد وتفان. وأكد الوسيط أن التقرير اعتبر مسألة "الجدية" في التوجيه الملكي، محددا بالغ الأهمية في الأداء الارتفاقي، خاصة في أبعاده الحكاماتية، انطلاقا من اعتمادها أساسا لتحليل علاقة المؤسسة مع مختلف الإدارات العمومية، وهو ما مكن على العموم، من القول بوجود تباين واضح بين الإدارات في هذا الشأن، فإذا كان بعضها قد سجل درجات عالية من التفاعل مع مساعي الوساطة في مختلف مستوياتها، بما يعكس جدية مواقفها، عبر ما أظهرته من تجاوب تلقائي في مختلف مجالات ومراحل الدفاع عن حقوق المرتفقين، فإن إدارات أخرى، على العكس من ذلك، تجعل المتأمل في بعض مواقفها، المقتصرة على الصمت أحيانا، يتساءل عن أي حضور حقيقي لمتطلبات الجدية في تصرفاتها التي تعتبر في الكثير من الأوقات نوعا من"التعنت التدبيري"، ليس في الاستجابة لتوصيات واقتراحات المؤسسة الموجهة إليها والداعية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة قصد تسوية وضعية المتظلمين فحسب، بل حتى في تحديد موقفها إزاء العديد من التظلمات المسجلة في مواجهتها، أو في أفضل الأحوال في الجواب عن مضمونها داخل الأجل المحدد قانونا. تمكين المواطنين من الكهرباء أكدت مؤسسة وسيط المملكة، في قرار أصدرته بشأن ملف عدد 23/39114، ضرورة تمكين المواطنين من حقهم في الاستفادة من خدمات الماء والكهرباء، مشددة على أن الإدارة لا يمكنها تعليق منح هذه الخدمات الحيوية على شرط تقديم رخصة بناء أو تصميم مصادق عليه، في حال توفر المواطن على شهادة سكنى تثبت إقامته الاعتيادية بالعقار. وتعود القضية إلى تظلم تقدم به مواطن يطالب بربط منزله بشبكتي الماء والكهرباء، إسوة بباقي سكان المنطقة، حيث أرفق طلبه بشهادة سكنى صادرة عن الجهات الإدارية المختصة تفيد استغلاله للعقار مسكنا اعتياديا، غير أن الإدارة رفضت الطلب بحجة عدم تقديمه لرخصة بناء أو تصميم بناء مصادق عليه، أو وثائق تثبت ملكيته للعقار. وفي قرارها، اعتبرت مؤسسة الوسيط أن الإقرار بإقامة المواطن الاعتيادية في العقار المطلوب ربطه، مع غياب أي تعارض بشأن حيازته أو شرعية وجوده، يلزم الإدارة بالتفاعل الإيجابي مع طلبه، موضحة أن الهدف الأساسي هو تمكين المواطنين من مقومات السكن اللائق والعيش الكريم، وهو ما يستوجب توفير الخدمات الأساسية، بغض النظر عن توفر بعض الوثائق الإدارية. الداخلية والمالية والتربية الوطنية على رأس التظلمات 52.07 في المائة من مجموع التظلمات التي تلقتها مؤسسة وسيط المملكة من المرتفقين، خلال 2023 على المستوى الوطني، تركزت في ثلاثة قطاعات رئيسية تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، وتتربع وزارة الداخلية، وفقا للتقرير السنوي على رأس هذه القطاعات بنسبة تشكل 26.95 في المائة من التظلمات بما يعادل 1447 تظلما، يليه قطاع الاقتصاد والمالية بنسبة 14.51 في المائة، مسجلا 780 تظلما، فيما احتل قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة المركز الثالث بـ 10.65 في المائة، بمجموع 571 تظلما. وأشار التقرير ذاته إلى تزايد لافت في التظلمات المقدمة ضد قطاع السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، التي ارتفعت من 11 تظلما في 2014 إلى 427 تظلما في 2023، موضحة أن هذا الارتفاع يعزى إلى تظلمات جماعية مرتبطة ببرنامج "فرصة"، الذي تجاوز في بعض الحالات المطالبة بالتظلم إلى مطالب تتعلق بالحق في التشغيل. وأظهر التقرير زيادة ملحوظة في التظلمات المتعلقة بقطاع العدالة، إذ ارتفع عدد التظلمات من 45 تظلما إلى 140، أما على الصعيد الجغرافي، فتصدرت جهة الرباط – سلا – القنيطرة قائمة الجهات الأكثر تقديما للتظلمات بنسبة 18.71 في المائة من الإجمالي الوطني، بما مجموعه 898 تظلما توزع بواقع 387 تظلما هم قطاع الداخلية بنسبة 43,10 في المائة من مجموع تظلمات الجهة، و117 تظلما في مواجهة قطاع الاقتصاد والمالية بنسبة 15.03 في المائة، ثم باقي القطاعات بأعداد ونسب مختلفة.