"الإبداع" الهندسي حول شوارع وطرق ومدارات ومقاطع بالعاصمة الاقتصادية إلى معرقل للسير ينتاب مستعملي الطريق بوسط الدار البيضاء شعور أن هناك أيادي آثمة تتربص بأعصابهم التي تحترق على مدار الساعة، ليس فقط بسبب الاكتظاظ الكبير في المحاور والمدارات الأساسية، بل بسبب أشكال من الهندسة العبقرية التي حولت شوارع العاصمة إلى مختبرات لتجريب "التخربيق" بكل أنواعه، مرة باسم خلق أكبر عدد من المدارات وحذف أضواء الإشارة المعرقلة للسير، ومرة بتوسيع ممرات الراجلين والأرصفة، والتحكم في حركة توقف وتوقيف السيارات، ومرات تحت عنوان إعادة هيكلة الطرق والمقاطع المحورية لضمان انسيابية أكبر في حركة الجولان والمرور. أشغال الترقيع لا تنتهي إلا لتبدأ عمليات "جراحة" للمدارات والمقاطع مستمرة لأكثر من أربع سنوات أفقدت السائقين أعصابهم تخضع شوارع الدار البيضاء وطرقها ومحاورها ومداراتها، منذ أكثر من أربع سنوات، إلى عمليات "جراحة" لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد في دورة سيزيفية بالغة الغرابة، بل إن بعض المقاطع، على مستوى شوارع كبرى معروفة باكتظاظها الشديد، استمرت فيها الأشغال بلا انقطاع زهاء سنتين ونصف، كما وقع بالنسبة إلى مدار دكار، المعروف بمدار "شيميكولور" (تقاطع شارعي إميل زولا والمقاومة)، حتى نسي المواطنون فعلا أن مقطعا مروريا كان هناك في يوم من الأيام. الأشغال في كل مكان من أقصى حي التشارك بمقاطعة سيدي مومن، إلى تخوم منطقة ليساسفة بمقاطعة الحي الحسني، ومن سوق الدجاج بالحي المحمدي إلى سوق الخضر والفواكه والمجازر الحضرية بسيدي عثمان. فأينما تولي وجهك وسيارتك فثمة حواجز وعمال وأوراش حفر وهدم وتقطيع وربط وتزفيت وتبليط وترصيف وضجيج واختناق وأعصاب وحوادث سير صغيرة ومشاجرات، حتى يخيل للبيضاويين وزوارهم أن مسؤولي المدينة يبحثون عن كنز ما في مكان ما، دون أن تعثروا عليه.قد تبدو هذه الأشغال طبيعية وحيوية، في مدينة ضاقت عن سكانها وفاضت عن طرقها ومداراتها ومحاورها وقناطرها وأنفاقها القديمة. مدينة تتجول فيها يوميا أكثر من مليون ونصف المليون ناقلة ما بين قاطرات "الطرامواي" (من سيدي مومن إلى عين الذئاب وحي الكليات بعين الشق) وسيارات خاصة وسيارات أجرة وحافلات وشاحنات ودراجات نارية ودراجات ثلاثية العجلات، لكن ذلك لن يتحول في كل مرة إلى ذريعة لتذمير الأعصاب وتوقيف الحركة الاقتصادية وضياع ساعات من العمل والإنتاج، لمجرد أن مهندسي المدينة ومخططيها لا يعرفون كيف يشتغلون دون إثارة انتباه.في جميع مدن العالم و"ميتروبولاتها"، تتواصل أشغال الصيانة والتوسيع وإعادة هيكلة الأنماط الطرقية حتى تتلاءم مع التغييرات الحاصلة في وسائل النقل، إلا في الدار البيضاء، حيث يختلف الأمر على نحو جذري، وتصبح أشغال الطرق والممرات هاجسا مقلقا، وحربا عشواء، وسببا وجيها لكره المجالس الجماعية، ومقاطعة الانتخابات.هذه الصورة تزداد فظاعة، حين تضع الأشغال أوزارها، وترفع الحواجز ويغادر العمال أوراشهم وتوقع وثائق تسليم المشاريع وفق التزامات دفاتر التحملات وتقطع شرائط التدشين، إذ يجد مستعملو الطريق أنفسهم أمام "شوهة" هندسية "تتجول" في عدد المدارات والمقاطع الطرقية الجديدة، التي تتطلب خرائط توضيحية و"كاتالوغات" لفك ألغازها ومتاهاتها.يوسف الساكت شارع غاندي..."كلكوتا" مدارات معرقلة طيلة اليوم وأشغال تنتهي لتبدأ ومدارس خاصة تزيد من الأزمة بخلاف العرقلة التي نجمت عن بعض الشوارع بسبب مد خط الطرامواي، يظل شارع غاندي، أحد أطول شوارع المدينة المليونية، الذي تعرف مداراته اكتظاظا مزعجا، وطيلة أيام العمل، ويتزايد عليها الضغط في أوقات الذروة، أكثر من ذلك يتسبب الوقوف العشوائي لسيارات ذوي تلاميذ المدارس الخصوصية، المنتشرة على طوله، في عرقلة أخرى، غالبا ما تنتهي بغضبات تترجمها أصوات منبهات السيارات المعرقلة، والقذف الصادر عمن لم تصمد أعصابهم...مدارة تقاطع شارعي عبد الكريم الخطابي مع غاندي، زادتها أشغال حفر وتسييج، عرقلة، معاناة السيارات تنطلق منذ الساعات الأولى، خصوصا أن المدارة تلتقي فيها أكثر من ثلاثة روافد، وغالبا ما تنتهي باصطدامات، تضاعف الأزمة، فيما شرطي المرور يظل ملتصقا أمام جهاز تغيير الأضواء، فهي الوسيلة الوحيدة لمنع حركة سيارات والسماح لأخرى، لتخفيف الضغط، وتعرف هذه المدارة أوج عرقلة السير بها في ساعات الذروة، كما أنه من الساعة الرابعة عصرا، يصبح المرور عبرها غير مطاق، سيما في الاتجاه نحو شارع يعقوب المنصور، حيث المدارس الخاصة تضيف معاناة أخرى اسمها الاكتظاظ بسبب الوقوف في الممر الثاني. ورغم أن دوريات الدراجين لتنظيم السير، تتجول بين الفينة والأخرى فإن الحالة تستمر وتستمر معها العرقلة.غير بعيد عن مدارة عبد الكريم الخطابي، توجد مدارة ابن سينا، هي الأخرى تعرف عرقلة سيما في أوقات الذروة، إلا أنها تقل وتزداد عن سابقتها، بسبب الوجود الأمني المستمر بها.وعلى طول الشارع نفسه، بجنبات المقاهي المقابلة للدائرة الأمنية 13، وفي الاتجاهين معا، أشغال جديدة، همت طوار الشارع ودخلت إلى أجزاء من الرصيف، وهي الأشغال التي وصفها تجار وأصحاب المحلات بالعشوائية، سيما أنها رفعت علو الطوار عن مستوى يسمح بخروج المياه إلى الشارع حيث بالوعات المجاري، وأصبحت المحلات مهددة بالفيضانات كلما تساقطت الأمطار بسبب إغفال التفكير في تصريفها. أحد أصحاب المحلات أفاد "الصباح" بتصريح، أشار فيه إلى أنه تقدم نحو مسؤول بجماعة البيضاء أثناء زيارة الأخير لتفقد سير الأشغال، وفاتحه في المشكلة التي تسبب فيها عدم دراسة انعكاس هذه الأشغال على المحلات التجارية، سيما تهديدات الفيضانات. واستغرب التاجر رد المسؤول الجماعي، إذ أنه أشار إلى أحد معاونيه بالبحث عن التراخيص الممنوحة، إذ يعتقد أن المقاهي والمحلات تلتهم الملك العمومي، فيما الحقيقة أنها جزء من الرسم العقاري للبنايات التي اقتطعت منها.تتجاوز هذه الأشغال لتصطدم بواحدة من المدارات "الصعبة"، والتي تتراص السيارات بها من شارع سيدي عبد الرحمان إلى حدود شارع غاندي في اتجاه شارع يعقوب المنصور، ويتعلق الأمر بمدارة "والماس"، فرغم توسيعها مازال المشكل قائما والاكتظاظ مستمرا، خصوصا أنها الطريق الذي تعبره حافلات وسيارات الأجرة المقبلة من أحياء الألفة والحي الحسني.ورغم أن المدارات الجديدة المتسمة بطول قطرها، في قانون السير، تشير إلى أن الأسبقية ليست لليمين بل لكل من دخلها أولا، فإن الارتباك والعرقلة سيدا الموقف، إذ لولا علامات التشوير الضوئية لما فسح المجال لأي اتجاه بالمرور.المدارة نفسها تعرف اكتظاظا طيلة اليوم، إلا أنه يتضاعف في أوقات الذروة، ما يدفع الكثيرين إلى تجنب المرور من شارعي غاندي أو يعقوب المنصور في تلك الأثناء.كلما ازداد شارع غاندي طولا، كلما زادت مداراته في الاختناق، فبعد مدارة "والماس"، هناك مدارة طريق الجديدة أو ما أصبح يطلق عليه اليوم شارع الروداني امتداد، والتي تتسبب في أوقات الذروة في انتظار طويل لأصحاب السيارات، وقد يمتد طابورها إلى المدارة السابقة، أما الأسباب، فتعود إلى اختراق المدارة لخط الطرامواي، وإلى ارتباط الطريق ذاتها بالدخول إلى الطريق الدائرية والطريق السيار. فالمقبلون من حي المعاريف كما الوافدين من شارع غاندي يعانون كثيرا إلى حين اجتياز هذه المدارة.ليست هذه أخطر المدارات، فهناك أخرى على امتداد الشارع نفسه، يطلق عليها مدارة تقاطع شارعي غاندي بعبد المومن، حيت خط الطرامواي وحيث الاكتظاظ على طول هذه النقطة التي تربط المدينة بمناطق حيوية، والاكتظاظ يكون سيد الموقف في كل الاتجاهات وتحت القنطرة المؤدية إلى شارع تادارت أو إلى اتجاه حي "ليرميتاج".المصطفى صفر شارع الجيش... حرب أعصاب غياب إشارات واضحة وتصميم غير دقيق للطوار يتسببان في الحوادث لا صوت يعلو على أصوات منبهات السيارات بشارع الجيش الملكي، على مقربة من فندق حياة "ريجنسي" بالبيضاء، والسبب تجمع وتداخل للعديد من السيارات ما تسبب في عرقلة لحركة السير ترتب عنها احتجاج السائقين على بعضهم البعض.أصابع الاتهام أشارت إلى سائق سيارة تحمل صفائحها المعدنية أرقاما خاصة بدولة فرنسا. الكل كان يدقق النظر في الرجل الذي كان يتحدث بلغة عربية متلعثمة قبل أن يستعين بين الفينة والأخرى ببعض الكلمات الفرنسية، حاول من خلالها التعبير على أنه لم يخطئ وأن تقاطع مجموعة من الطرق وعدم وجود إشارات واضحة لتغيير الاتجاه كانت سببا في اختلاط الأمور عليه.لم يمهل السائقون الرجل فرصة للحديث وتوضيح الأمر، وزادت منبهات الأصوات من غضب الجميع، قبل أن يتطوع أحد المواطنين لتقمص دور شرطي وتنظيم حركة السيارات ، فينجح بعد بضع دقائق في إعادة الأمور إلى طبيعتها، قبل أن يطرح المشكل من جديد بعد أن وجدت امرأة نفسها وسط العديد من السيارات."مشكل عرقلة السير يطرح بشكل دائم في هذا المكان، خاصة من قبل بعض السائقين الذين لم يعتادوا المرور من الشارع"، يقول أحد الباعة الذي اعتاد عرض سلعته على مقربة من المكان، قبل أن يضيف "تقاطع الطرق وعدم وجود إشارات تغيير الاتجاه هما السبب الرئيسي وراء المشكل"، ثم أشار إلى بعض الأسهم المرسومة على الطريق قرب إشارات المرور والتي لا يراها إلا السائقون المتوقفون في الأمام، أما باقي السائقين الموجودين في الخلف فيستعصي عليهم الانتباه إليها ما يتسبب في عرقلة السير.المشكل يطرح كذلك بالنسبة إلى السائقين الراغبين في التوجه نحو محطة القطار الميناء، إذ يتسبب تقاطع الطرق وكثرتها وغياب إشارات موجهة واضحة للجميع في عمد تمكن العديد من السائقين من تغيير المسار بسهولة. هذه المنطقة ليست هي النقطة السوداء الوحيدة في شارع الجيش الملكي، بل إن هناك نقطا أخرى، لعل أبرزها وأخطرها الطوار الذي يوجد وسط الطريق بعد المرور من أمام محكمة الاستئناف في اتجاه باب 4 للميناء الكبير.الشارع يبدو عاديا قبل أن "ينحرف"، غير أن الطوار الموجود وسط الشارع لا يسايره في "انحرافه" ليفاجأ السائق بأن الطوار أصبح داخل الطريق، ما يتسبب أحيانا في اصطدام السيارة به، أو في حوادث سير، بعد أن يحاول السائق الاصطدام. الخطير في الأمر أن لا أحد من المسؤولين انتبه للأمر، مع أن المشكل لا يتطلب أكثر من إزالة الطوار من الطريق، حتى يتنسى تجنب هذه الحوادث.الصديق بوكزول