"ضيعة العطاوية" هي عنوان البؤس الذي أضحى يؤثث العلاقات الاجتماعية، والاستهتار واللامبالاة والدوس على القوانين الوضعية والإلهية. هي جريمة مكتملة الأركان، ضحاياها محتجزون، والجناة فيها متعددون، ما بين الأسر وصاحب الضيعة والدولة، سواء في الشق الذي يخص توفير مكان لإيواء هذه العينة من المرضى، أو من خلال السلطات المحلية، التي ربما كانت على علم وتغض الطرف. ضيعة احتجز فيها مرضى نفسيون ومدمنون، على شاكلة "بويا عمر"، وبمباركة عائلاتهم، التي وجدت في هذا الحل الوسيلة المثلى للهروب من مسؤوليتها تجاه أبنائها، بعلة غياب أماكن مخصصة للعلاج، يفترض في الدولة توفيرها، وأوهمت نفسها بأن ذلك هو الحل الأمثل لما تعانيه مع المريض النفسي أو العقلي أو المدمن، وربما، كما يقال بالعامية، "شرات راحة بالها"، بمبلغ مالي يدفع بشكل شهري، كما أقرت عائلات المحتجزين بذلك، وبذلك تعد الجاني الأول في القضية. أما الجاني الثاني في هذه الجريمة الشنعاء، هو صاحب الضيعة، الذي يروج أنه أخذ بالمثل القائل "رب ضرة نافعة"، فإغلاق "بويا عمر" كان بمثابة مغارة علي بابا، التي مكنته من إحداث النسخة الثانية من "بويا عمر" في ضيعته الخاصة بالعطاوية، وفتحها أمام عائلات المرضى لوضع أبنائهم فيها بمقابل مادي يختلف من حالة إلى أخرى، وربما ساعده في ذلك "عين ميكا" التي كانت السلطات المحلية تغض بها الطرف عما يقوم به، إذ لا يمكن التصديق، ولو لبرهة، أن ما كان يجري في تلك الضيعة، على امتداد سنوات، بعيد عن أعين السلطات المحلية، التي لم تحرك ساكنا لوقفه، وهو ما يثير الاستغراب، خاصة أننا نعلم أن السلطة المحلية تكون دائما حاضرة حتى ولو في زيادة "ياجورة" في مكان ما، فبالأحرى ضيعة على شاكلة "بويا عمر". الجاني الثالث في القضية، الدولة بمختلف مكوناتها، خصوصا في الجانب الصحي، على اعتبار أن هؤلاء المرضى يفترض توفير مصحات خاصة بهم في جميع المدن، حتى لا تضطر العائلات إلى التنقل لأماكن بديلة، وبعدها السلطات المحلية التي تغاضت عن ذلك النشاط غير المشروع وساهمت في تعذيب ضحايا كثر. حادثة الشاب عصام، التي كانت المنقذ لباقي الضحايا، كشفت خلالها والدته أن الأمر لا يتعلق بشخص واحد، بل بشبكة تضم عناصر عديدة، بدءا بالممرض الذي أوحى لها بذلك المكان، وتحصل على مبلغ مالي نظير اصطحابها، وهو ما يفيد أن صاحب الضيعة كان يعمل ضمن شبكة منظمة، كانت تجني الأموال من وراء ذلك، بعلة العلاج، الذي ظهر أنه غائب، وأن الأمر يدخل في نطاق التعذيب والسخرة والاستغلال لأشخاص في وضعية صعبة، رفضتهم عائلاتهم والمجتمع والمصحات، بسبب وضعهم المرضي. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma