النقاش الدائر اليوم بشأن مشروع مدونة الأسرة، سجال صحي بين مكونات المجتمع، نتائجه لا غالب ولا مغلوب فيها لا محالة، إذ أنها ستعود بالخير العميم، ليس على الأسرة فقط، بل على كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية. ولعل حرص الملك، منذ إعلانه عزمه إصلاح مدونة الأسرة، على التواصل، لأكبر دليل على رغبة أكيدة في مواصلة بناء الصرح الديمقراطي وإشراك المواطنين في القضايا التي تهم الوطن، وهي مشاركة لامسها الجميع، بدءا من تشكيل هيأة كلفت بمراجعة المدونة، منسقها هو الرئيس المنتدب للسلطة القضائية، الذي عقد سلسلة لقاءات مع فعاليات المجتمع وهيآته السياسية والحقوقية والمدنية، مرت كما عبر عن ذلك محمد عبد النباوي، منسق الهيأة، "في هدوء واحترام بين مختلف أطراف المجتمع التي عبرت عن آرائها بكل حرية ومسؤولية، ما يعكس بعدا وحسا حضاريا كبيرا لدى المغاربة، يراعي ثقافة الاختلاف والحوار وتبادل الرأي". يرتقي النقاش، اليوم، إلى مستوى آخر، قد نصفه بالمخاض الذي يسبق الولادة الطبيعية، وهو نقاش يزيد من الشرح والتفصيل، ويترجم، في الآن نفسه، حث الملك الحكومة على التواصل لشرح مضامين التعديلات، بعد أن رفعت الهيأة المكلفة بالمراجعة تقريرها النهائي لجلالته، ودعوته المجلس العلمي الأعلى إلى مواصلة البحث والاجتهاد في الإشكالات المتعلقة بقانون الأسرة. المزايدات التي يرددها البعض في مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاولة الركوب على الشرع والدين، لتوجيه "الضربات" إلى بعض النصوص، هي في واقع الأمر نشاز، سيما أن المملكة دولة مؤسسات، وأن الملك أمير للمؤمنين، ورئيس في الآن نفسه للمجلس العلمي الأعلى، الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف ومقاصده السمحة. لقد حسم الملك منذ البداية كل الخلافات ووضع قاعدة إطار، لسد الباب على فئة ممن يحاولون الظهور بمظهر السباحة ضد التيار، إذ دعا في رسالته الملكية إلى "عدم تحليل حرام ولا تحريم حلال"، مع إعمال الاجتهاد البناء والمنفتح المراعي لمقاصد الشريعة الإسلامية في العدل والإنصاف والمساواة والتضامن وتماسك الأسرة. فالأسرة، هي المنظار الذي يهم المجتمع، وهي من يغلب في نصوص الشرع، بعيدا عن النظرات الأحادية لهذا الطرف وذاك، تماما مثلما أكد جلالته بشأن المبادرة الإصلاحية عندما وصفها بأنها "ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، والنظر إلى مضامين المراجعة في تكامليتها، لا تنتصر لفئة دون أخرى، بل تهم الأسرة المغربية، التي تشكل الخلية الأساسية للمجتمع، ما يتطلب الحرص على بلورة كل ما تقدم، في قواعد قانونية واضحة ومفهومة، لتجاوز تضارب القراءات القضائية، وحالات تنازع تأويلها. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma