غموض يكتنف مصير الأموال المقدمة سنويا وارتفاع أصوات تدعو إلى إعادة النظر في المعايير كشفت مصادر حزبية لـ"الصباح" أن المبلغ الإجمالي الذي تحدده وزارة الداخلية دعما سنويا للأحزاب، يصل إلى 60 مليون درهم، ويمنح تنفيذا لأحكام القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب ومرسومه التطبيقي، المتعلق بصرف الدعم السنوي الممنوح للأحزاب برسم المساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها.ولا تكتفي الأحزاب بتلقي هذا الدعم الذي يوزع وفق شروط محددة ومدققة، بعيدا عن المحاباة والصداقات والخدمات المتبادلة، بل تحصل على دعم إضافي من قبل وزارة الداخلية التي تعمل بكل شفافية على اتخاذ التدابير اللازمة لصرف الدعم المخصص للأحزاب المعنية برسم المساهمة في تغطية مصاريف تنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية، علما أن الغلاف المالي الإجمالي المخصص لهذه المساهمة يتحدد في 20 مليون درهم. وقد استفادت ثماني هيآت سياسية خلال السنة الماضية من المبالغ الراجعة لها برسم هذا الدعم. وما يعاب على بعض الأحزاب، أن الدعم المالي السنوي الذي تحصل عليه، أو المتعلق بالدعم المالي الانتخابي، لا يوظف في مجاله الحقيقي، إذ أن هناك بعض الأحزاب من توظفه في حل مشاكلها العالقة مع صحافيي صحفها الحزبية، أو موظفي مقراتها، أو تخصص أجورا شهرية باهظة لبعض أطرها العاطلين أو المطرودين، وذلك كله على حساب الفروع التنظيمية التي لا تفتح أبوابها إلا مع اقتراب كل محطة انتخابية، قبل أن تعود إلى إغلاق "الدكان الانتخابي"، بسبب عدم تلقيها طيلة السنة أي دعم من المركز من أجل تأدية على الأقل ثمن الكراء على طول السنة. ورغم أن المجلس الأعلى للحسابات يدقق في مالية الأحزاب الناتجة عن دعم الدولة لها، فإنه لا يصل إلى بعض النقط السوداء، لتستمر حالة الغموض، رغم أن بعض الأحزاب اليسارية ما فتئت تثمن التقارير الذي يصدرها قضاة مجلس إدريس جطو حول تدقيق الحسابات السنوية للأحزاب وفحص صحة نفقاتها برسم الدعم العمومي عن كل سنة مالية. ويرى أكثر من مصدر حزبي ممن لا يتحكمون في الصناديق "السوداء" للأحزاب، أن ما يقوم به المجلس الأعلى للحسابات في عهد ادريس جطو، يعد خطوة إيجابية لتخليق الممارسة الحزبية وتحقيق الشفافية المالية للأحزاب، ومحاربة مظاهر الفساد السياسي، والحد من الاسترزاق السياسي المناسباتي. ومع مجيء حكومة بنكيران، ارتفعت بعض الأصوات التي تشعر بالتهميش و"الحكرة" والغبن من قبل وزارة محمد حصاد، مطالبة بإعادة النظر جملة وتفصيلا في المعايير الحالية المعتمدة في حصول الأحزاب على الدعم العمومي التي تكرس تفاوتا كبيرا في توزيع هذا الدعم (خمسة أحزاب فقط، من أصل 35 حزبا، استفادت من 86 في المائة من مجموع الدعم العمومي قبل ثلاث سنوات من الآن، وهو ما يشكل تهديدا للتعددية السياسية الحقيقية، وفق مصدر حزبي لا يحصل حزبه سوى على ما أسماه بـ"الفتات". ونبه المصدر نفسه إلى ما اعتبره "خطورة استغلال الدعم المالي للتحكم في الحقل السياسي والتضييق على الأحزاب المستقلة، حيث إن بلادنا في أمس الحاجة إلى أحزاب سياسية قوية وحقيقية وذات مصداقية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية". ويرتقب أن يشدد مجلس ادريس جطو العارف بخبايا الدعم العمومي الذي يقدم للأحزاب من قبل وزارة الداخلية التي سبق أن قاد سفينتها، على تقوية الرقابة على صرف الدعم العمومي والتدبير المالي للأحزاب، وإعمال الصرامة اللازمة وعدم التساهل مع حالات نهب وتبذير الأموال العمومية، والعمل على استرجاع المبالغ المالية غير المستحقة من الدعم و كذا النفقات غير المبررة. وكان المجلس الأعلى للحسابات كشف في تقريره الأخير، أن حزب العدالة والتنمية تصدر لائحة الأحزاب المستفيدة من الدعم العمومي، الذي تقدمه الدولة للأحزاب بنسبة 33.64 في المائة، يليه حزب التجمع الوطني للأحرار بنسبة 17.56 في المائة، وحزب الأصالة والمعاصرة بنسبة 16.52 في المائة، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في الرتبة الرابعة، بنسبة 11.76 في المائة، وفي الرتبة الخامسة حزب الاستقلال بنسبة 6.53 في المائة. تدقيق الحسابات أسفرت عملية تدقيق حسابات الأحزاب، وفحص صحة نفقاتها التي أجراها المجلس الأعلى للحسابات، عن مجموعة من الملاحظات قام بتوجيهها إلى قيادات الأحزاب، بهدف إدلائها بتعقيبات حول استفساراته. وهمت الملاحظات الجوانب المتعلقة بإرجاع بعض مبالغ الدعم العمومي، ومحتوى الحساب المقدم، ومدى احترام القواعد المحاسبية، والإشهاد بصحة الحسابات، ومشروعية موارد ونفقات الأحزاب. كما طالب قضاة المجلس الأعلى مختلف الأحزاب السياسية بإرجاع أموال الدولة غير المستحقة من الدعم الممنوح لها. وحث المجلس، السلطات الحكومية المختصة على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، عند الاقتضاء، في حق مختلف الأحزاب السياسية، التي لم تقم بإرجاع مجموع المبالغ غير المستحقة من الدعم الممنوح لها، والمتعلقة باستحقاقات انتخابية سابقة. كما تبين لقضاة المجلس أنه على الدولة حصر مساهمتها في تمويل مصاريف الأحزاب في تدبيرها وتنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية فقط. يشار إلى أن أحزابا قليلة هي التي تدقق في حساباتها بنسبة لا تتجاور 80 في المائة، فيما العشرون الباقية تطرح حولها علامات استفهام كبرى. أما بعض الأحزاب، فلا يعلم سر أين تذهب أموال الذعم الدي تحصل عليه، سوى أمنائها العامين وبعض النافذين من أعضاء مكاتبها السياسية. عبدالله الكوزي