أحدثت تعديلات قانون المسطرة الجنائية، الصادرة بموجب قانون 11-35، فروقا كبيرة في اختصاصات ضباط المخابرات، خصوصا ضباط مديرية مراقبة التراب الوطني المعروفة اختصارا بـ"ديستي"، الذين أصبحوا يتمتعون بالصفة الضبطية في ما يخص جنايات المس بأمن الدولة والإرهاب وتكوين عصابة إجرامية والقتل والتسميم والاختطاف وحجز الرهائن وتزوير أو تزييف النقود أو سندات القرض العام والمخدرات والمؤثرات العقلية والأسلحة والمتفجرات والذخيرة والصحة، إذ أصبح عمل هؤلاء مكشوفا ومحددا وواضحا في علاقة بهذه الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من المادة نفسها.ويقول الدكتور مصطفى أشيبان، المحامي بهيأة الدار البيضاء، إن ملاحقة الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني الجرائم الخطيرة الماسة بأمن الدولة أو بالاقتصاد أو بحياة أو صحة الأشخاص، أصبح من بين الاختصاصات الوظيفية والجنائية لضباط هذه المديرية بقوة قانون رقم 11-35، بعدما كان سابقا ينحصر في إعداد التقارير والمعلومات لفائدة الشرطة القضائية.ويوضح أشيبان أن ضباط المديرية كانوا في السابق يحضرون ويعدون "الوجبة" لفائدة الشرطة القضائية التي تتلسم القضية جاهزة لتكتمل باقي جوانبها المسطرية وتقديمها جاهزة للنيابة العامة المختصة، وهذا يتجلى في كثير من القضايا والجرائم الخطيرة التي أحيلت على القضاء الجنائي وأهمها الجرائم الإرهابية للدار البيضاء ومراكش.ويخلص أشيبان، في دراسة تحليلية حول عمل إدارة مراقبة التراب الوطني، إلى أن تقنين وتحديد صفة ضباط الإدارة العامة لمراقبة الترب الوطني يعد فعلا قفزة نوعية في عمل هذا الجهاز الأمني الذي كانت جهود رجاله تتسم بالسرية إلى حد التعسف في غياب إطار قانوني علني، بيد أن العلاقة بينه والمجتمع أصبحت الآن واضحة على الأقل فيما يتعلق بالدعوى العمومية، بل إن مضامين الدستور الحالي والحراك المجتمعي المستمر جعلته يخرج من السر إلى العلن في أفق الانضمام إلى المجلس الأعلى للأمن المرتقب والسهر على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجديدة.ولم يخل تمتيع ضباط المديرية من جدل صاخب تخلل مرحلة عرض تعديلات المسطرة الجنائية، قبل الحكومة الحالية، على النقاش في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان التي كان يترأسها، آنذاك، مصطفى الرميد، الوزير الحالي للعدل والحريات، الذي اعتبر في عدد من المناسبات أن منح جهاز "ديستي" الصفة الضبطية سيشرعن عددا من الممارسات قبل وضع آليات للمساءلة، مؤكدا أن النيابة العامة لا يمكنها، واقعيا، أن تراقب عمل الشرطة القضائية والأحرى ضباط المخابرات.هذه الأدوار و"التسهيلات" الممنوحة للمخابرات في التعديلات السابقة، تعززت بقانون رقم 86.14 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة أحكام القانون الجنائي والمسطرة الجنائية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، إذ أضيف فصل جديد يروم إدراج عدد من الأفعال ذات الصلة بمعسكرات التدريب وببؤر التوتر الإرهابية، بوصفها جنايات معاقب عليها بالسجن من خمس إلى خمس عشرة سنة، مع تخصيص الشخص المعنوي بعقوبات تتلاءم وطبيعته القانونية.وحدد القانون الأفعال المعاقب عليها في الالتحاق أو محاولة الالتحاق بشكل فردي أو جماعي، في إطار منظم أو غير منظم، بكيانات أو تنظيمات أو عصابات أو جماعات إرهابية، أيا كان شكلها أو هدفها أو مكان وجودها، ولو كانت الأفعال لا تستهدف الإضرار بالمملكة المغربية أو بمصالحها.يوسف الساكت