العماري: تحصيل معلومات خاطئة يمكن أن يضلل صناع السياسة والعدالة الوجه القبيح ل"داعش" اليوم، أكسب تجربة الاستخبارات المغربية في تدبير ملف 16 ماي، ما يشبه صك البراءة، إذ ظهر أنها لم تكن لتستهين بخطورة الفكر السلفي الجهادي، غير أنها وضعت بيض كل السلفيات بمختلف تشكيلاتها ومذاهبها وحركاتها وشيوخها، في واحدة. اعتقل الآلاف، اعتقل المتورط وصاحب صاحبه. وزعت أحكام المؤبد والإعدام بالجملة، تعالت أصوات الأبرياء والمعذبين، واضطر ملك البلاد إلى الاعتراف في صفحات جريدة أجنبية بوجود "تجاوزات" في هذا الملف، غير أنه بعد مرور سنوات، تبين أن العمل الاستخباراتي المغربي بدأ يراكم الخبرة في التعامل مع أخطر ملف يهدد أمن البلاد، واكتسب وسائل جديدة، ومعرفة دقيقة بمختلف أعضاء هذا الجسم المشوه خلقيا.وفي هذا الصدد يقول عبد الله العماري، أحد المعتقلين السياسيين السابقين، ورئيس جمعية تمكين الحقوقية، ومحام دافع عن معتقلي قضايا الإرهاب، "على المستوى الدولي، اكتسبت المخابرات المغربية، تصنيفا يضعها في مصاف الأجهزة المتقدمة، كفاءة واستباقا"، إلا أنه، يضيف المتحدث نفسه، "لا يخلو أي أداء استخباراتي في العالم من أخطاء وهفوات، ومرد ذلك، إلى أن بعض الأداء الاستخباراتي يغلب الوسائل الأمنية البحتة، وقد ينغمس في العمل البوليسي القمعي، في مقرات سرية غير قضائية، لانتزاع المعلومة، بوسائل لا إنسانية، وقد يتحصل على معلومات خاطئة، تضلل صناع السياسة، وصناع العدالة معا".وعن بعض الأخطاء التي شابت معالجة الاستخبارات المغربية لملف 16 ماي، قال العماري، "نعم إن المعالجة الأمنية الاستخباراتية لأحداث 16 ماي شابتها أخطاء، ليس من حيث التصدي لاستباق ومحاصرة عدوى العنف أو العدوى الإرهابية كما يصطلح عليها، والعابرة للحدود والقارات، ولكن من حيث توسيع مجال التدخل الأمني، باللجوء إلى حملات الاعتقال الواسعة التي تشمل الحابل والنابل، والتي وقع تحت طائلتها، كثير من الأبرياء، لمجرد الشبهة والعلاقة".وزاد المحامي الذي ترافع في عدة قضايا لها علاقة الإرهاب، أنه من موقعه الحقوقي من خلال جمعية "تمكين الحقوقية التجمع من أجل كرامة الإنسان"، وفاعلا في الحركة الإسلامية، يعلم أن "الآلة حصدت كثيرا من الأبرياء، بل وأنا المدافع عنهم وجدت نفسي أزج معهم في زنازينهم". وكان الأسلم، يقول المحامي، أن تنصب المعالجة الأمنية، على مكامن الداء، وعلى مستوى محدود، يشمل الأفراد المتورطين المباشرين فعليا، في الأفعال الجنائية وأعمال الاعتداء، بدل شن حملات الاجتثاث، "لأن توسيع الدائرة، له نتائج سلبية، لأنه يغذي الحالة المستهدفة، بما يحولها إلى تيار، يتمدد، بتمدد التدخل الأمني، وبدل أن تكون الدولة في مواجهة أفراد، تقوم سلوكهم بالزجر القانوني الجنائي، تصبح الدولة في مواجهة ظاهرة لها فلسفة وثقافة وبطولات ومظلوميات وتحديات، ولها القدرة على التناسل، ويصبح السجن الفاعل الأول في تخصيبها".وحسب الخبرة التي راكمها الفاعل ذاته، فإن "المغرب له خصوصيته السوسيوسياسية، والتاريخية، بلدا للملكية الدينية ومؤسسة إمارة المؤمنين، بما يمكنه من احتواء الظاهرة الدينية، بمختلف تلاوينها ومخاطرها، وبما لا يتأتى في أقطار أخرى في المحيط الإسلامي أو في المحيط الدولي"، لذلك، يقول العماري، "لا ينبغي محاكاة الغير أو مجاراته في طرق مكافحة الإرهاب". مضيفا أن الأنجع أن يعزز العمل الأمني الاستخباراتي بالقدرة على وضع الإستراتيجية الأمنية في حماية الحدود والمصالح والمجتمع، بالاعتماد على القراءات المتعمقة في خصائص البلاد، وطبائع مجتمعها، وتاريخها، وواقعها السوسيولوجي، حتى يكون التخطيط الأمني تخطيطا سياسيا واجتماعيا وثقافيا وسيكولوجيا.ضحى زين الدين