هنا ترفع القبعة لوسيط المملكة، احتراما وتقديرا على تدبيره لملف شائك استغرق 11 شهرا من المعاناة لطلبة الطب، وهدر فيه الكثير من الوقت والجهد، واستطاع، كما يقال بـ "جلسة شاي"، أن يقرب وجهات النظر ويجد الحل الأمثل لهذه المعضلة، ويعيد الأمل والثقة لآلاف الطلبة في مستقبلهم المهني، وينهي ذلك الترقب والتوتر اللذين سادا وأديا إلى كارثة، بعدما وضع طالب في كلية الطب والصيدلة بمراكش، أخيرا، حدا لحياته، إثر تلك الضغوطات. وهذه ليست المرة الأولى، التي ينجح فيها الوسيط في فك الأزمات، فقد سبقها ملف المرشحين لاجتياز امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة، والذي تمكن من تدبيره في وقت وجيز وأعيد الامتحان، وغيرها من الملفات التي لا تظهر للعلن ويكون فيها الوسيط ذلك الحكيم الذي يوافق بين أطراف الخصومة، ويبحث عن الحل البديل. ما يقوم به الوسيط ترفع له القبعة، ولكن في المقابل لا يجب أن يمر الموضوع دون محاسبة للأطراف، التي ساهمت في تأجيج الوضع لأشهر وأضاعت الجهد. فما توصل له الوسيط والوزيران الجديدان في النسخة الثانية من حكومة أخنوش، كان بالإمكان إعماله من قبل سلفيهما، لكن التصريحات المستفزة، وإثبات الذات كانت هي المسيطرة على تدبير ملف شائك، في إطار الشعبوية والذي أظهر في النهاية أن لغة الحوار والإنصات والبحث هي الحلول العملية والواقعية والسبيل الوحيد لإنهاء هذا الخلاف، وفي إطار تفعيل مبدأ المسؤولية والمحاسبة لا يجب أن يمر الموضوع مرور الكرام. في البلاغ الأخير، لخص الوسيط مبادرة التسوية التي قادها بين الإدارة وطلبة كليات الطب والصيدلة، باعتبارها مؤسسة دستورية وطنية مستقلة لضمان تواصل مؤسساتي فعال، هي التسوية التي ترتبت عنها عودة الطلبة المعنيين إلى مدرجاتهم وتداريبهم السريرية الميدانية، ووضع حد لكل الأشكال الاحتجاجية المتخذة منذ ما يناهز أحد عشر شهرا، والتي بلغت حد المقاطعة التامة للدروس والامتحانات، وهو ما يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن الهدف الأسمى من وجود المؤسسة هو تحقيق العدل والإنصاف للمواطنين أمام قرارات الإدارة المغربية، والذي سبق في غير ما مرة أن قال بشأنه محمد بنعليلو، وسيط المملكة، إن المنتوج الوظيفي لمؤسسة الوسيط، يعتبر مجالا مهما لإبراز جدلية الحقوق والواجبات، في إطار العلاقة بين المواطن والإدارة، يتجاوز مداها المفهوم القانوني المتصل بوظيفة مراقبة الأداء القانوني للإدارة (أيا كان وصف هذه الرقابة) من زاوية المشروعية، إلى مفهوم مراقبة تأثير أداء الإدارة على صورة المرفق العمومي وانعكاس ذلك على إدراك المواطن لهذه القيم من زاوية العدل والإنصاف. فمرة ثالثة ورابعة وإلى ما لا نهاية، ترفع القبعة لهذه المؤسسة ولوسيط المملكة على حسن التدبير وعلى التطبيق الحقيقي لدورها في إعادة الثقة للمواطن في المؤسسات. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma