وازيزي… الضابط الفنان والرياضي

في زقاق من أزقة مراكش العتيقة، وفي بيت تقليدي يعبق برائحة التاريخ، ولد محمد وازيزي في 1955 بباب دكالة. كان طفلا مختلفا، تلمع في عينيه شرارة الحلم، وكأنه مقدر له أن يكون أكثر من مجرد فرد عاد في مدينته الحمراء. نشأ بين جدران تحكي قصصًا قديمة، وقلبه ينبض بإيقاعين متكاملين: إيقاع الرياضة وإيقاع الموسيقى. كان محمد يحمل بين ضلوعه عشقا مزدوجا، فهو رياضي بالفطرة وفنان بالمشاعر، يجري وراء الكرة في ملعب الحي كما يحنو على أوتار العود في زاوية غرفته. سنوات طفولته وشبابه كانت مليئة بالحركة والتحدي، حيث انضم في شبابه إلى فريق "الكمال المراكشي" في 1976، مدافعا أيسر، ذلك الفريق الذي كان نافذته للعالم الرياضي. على أرض الملعب، كان محمد لاعبا شغوفا ينساب بين زملائه كالنهر، لا يعرف الهزيمة ولا يقبل بأنصاف الحلول. كان رياضيا بأخلاق فارس، يرى في الرياضة دربا للتأمل والتفكير، مثلما يرى في العود وسيلة للتعبير عن مكنونات النفس. بيد أن شغفه بالرياضة لم يكن إلا جزءًا من مسيرة حياته المزدوجة، تلك المسيرة التي جمعت بين القوة الجسدية والحس الفني. الأمني الطموح في 1981، جاء القرار الحاسم الذي سيغير مجرى حياته إلى الأبد. انضم محمد وازيزي إلى سلك الأمن الوطني، وهو قرار لم يكن صدفة بل ترجمة لرغبته العميقة في خدمة وطنه، من أول يوم له في الزي الرسمي، كان واضحا أن هذا الشاب المراكشي يحمل في داخله طموحا أكبر من مجرد وظيفة. على مدار أكثر من عشرين عاما، صال وجال في مختلف مهام الأمن العمومي، متدرجا في الرتب والمناصب كالجندي الصامت الذي لا يطلب إلا شرف الواجب. في كل خطوة كان يخطوها، كان يحمل معه قيما راسخة، النزاهة والتفاني، والإخلاص. هذه القيم جعلته يحظى بتقدير زملائه ورؤسائه، على حد سواء، ما قاده في النهاية إلى مكتب والي أمن ولاية أكادير، حيث أصبح رئيسا للمصالح الاجتماعية. هنا، بدأت صفحة جديدة في مسيرته المهنية، حيث لم يعد محمد وازيزي مجرد رجل أمن، بل أصبح حاميا لحقوق الموظفين ومراعيا لشؤونهم الاجتماعية. في كل يوم كان يقف بجانب زملائه، مستمعا لاحتياجاتهم، مدافعًا عن قضاياهم، وكان كمن يقود فرقة موسيقية كبيرة، يعرف متى يتدخل، ومتى يترك اللحن يعزف بمفرده. مسار متميز عندما حان وقت التقاعد في 2020، لم يكن محمد وازيزي قد أنهى دوره بعد. ففي 2021، جاءت لحظة التكريم التي يستحقها، حيث تم منحه وساما من الدرجة الثانية من قبل جلالة الملك محمد السادس. هذا التكريم لم يكن مجرد وسام يعلق على صدره، بل كان اعترافا بمسيرة حياة حافلة بالعمل والالتزام، عنوانها الخدمة والتفاني. لكن بعد تقاعده، عاد محمد إلى أول حب في حياته الموسيقى. جلس من جديد مع آلته العزيزة، العود، وبدأ يعزف لحنا جديدا. كان عوده يتحدث بلغة لم يعرفها إلا من عشق الموسيقى من صميم قلبه. لم يكن مجرد عازف، بل كان موسيقيا ينساب لحنه كالنسمات التي تحمل رائحة مراكش العتيقة. أخذ يغني الأغاني المغربية الأصيلة، تلك الأغاني التي تحمل في طياتها عبق التاريخ وحكايات الأجداد. محمد وازيزي، بين العود والميدان، بين الرياضة والخدمة، بين مراكش وأكادير، هو رجل اجتمع فيه الكثير من الأوجه، لكنه ظل دائما نفسه، إنسانا ملتزما بقيمه، وفنانا يترجم مشاعره عبر الأوتار، قصة حياته هي قصة وفاء، وفاء للوطن، وفاء للشغف، وفاء للنفس. عبد الجليل شاهي (أكادير)

وازيزي… الضابط الفنان والرياضي

بعد تقاعده عن العمل جالس آلة العود وعزف ألحانا جديدة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

آش خاصك تدير؟: إخراج الملف من المداولة

"الحريك"... يطور أساليبه

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات