بقلم: عبد المجيد خشيع (*) أصبحت المادة 45 من النظام الأساسي للقضاة بموجب تعديل قوانين السلطة القضائية تنص على أنه: يحرص القاضي على البت في القضايا المعروضة عليه داخل أجل معقول، مع مراعاة الآجال المحددة بمقتضى نصوص خاصة. ويتولى المجلس تحديد آجال البت في مختلف أنواع القضايا، في حالة عدم تحديدها بمقتضى نص قانوني. وتعتبر الآجال التي يحددها المجلس مجرد آجال استرشادية لتطبيق أحكام هذه المادة، ولا يترتب عنها أي أثر بالنسبة للدعوى. وقد أصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية مقررا بتحديد آجال استرشادية لجميع القضايا المعروضة على المحاكم. وقد حدد القرار الأجال الاسترشادية بالأيام للقضايا المدنية بالمحاكم الاستئنافية في 30 يوما بالنسبة إلى القضايا المدنية الاستعجالية، وفي 90 يوما بالنسبة إلى مراجعة السومة الشرائية والأداء والإفراغ، كما حدد القرار الآجال في 300 يوم بالنسبة إلى قضايا العقار العادي والمحفظ. وفي القضايا المدنية في المحاكم الابتدائية مراجعة السومة 60 يوما و180 يوما لقضايا الإفراغ والأداء والتطليق، والنفقة في 30 يوما. في القضايا الزجرية في محاكم الاستئناف حدد القرار الآجال الاسترشادية في القضايا الجنحية الاستئنافية التلبسية في 21 يوما، و120 يوما بالنسبة للجنح العاديـة، و90 يوما في حوادث السير. وبالمحاكم الإبتدائية فقد حدد القرار الآجال الاسترشادية في القضايا الجنحية العادية التأديبية في 180 يوما ومن بينها قضايا العنف ضد النساء. القضايا التجارية في محاكم الاستئناف التجارية لقضايا إيقاف التنفيذ 15 يوما، و7 أيام لصعوبة التنفيذ، و15يوما بالنسبة لصعوبة المقاولة. وعلى مستوى المحاكم التجارية 30 يوما للقضايا الاستعجالية واسترجاع السيارات و150 يوما بالنسبة للعقود التجارية و120يوما بالنسبة لأكرية المحلات التجارية. القضايا الإدارية بمحاكم الاستئناف الإدارية 120 يوما بالنسبة إلى المسؤولية الإدارية، و10 أيام بالنسبة لغرفة المشورة وفحص الشرعية، و180 يوما لنزع الملكية و90 يوما لتحصيل ديون الخزينة. وضمن المحاكم الإدارية حدد الأجل في 180 يوما بالنسبة للمسؤولية الإدارية والمنازعات الضريبية والمعاشات المدنية والعسكرية، ويوم واحد بالنسبة للأوامر المبنية على طلب. وقد تناول هذا الموضوع عدد من الزملاء بتفصيل، وأدلوا بوجهة نظرهم حين كان موضوع الأجل الاسترشادي مجرد مشروع، ثم بعد ذلك حين أضحى واقعا مرا أمام العدالة بشقيها القضاة والدفاع. لكن اليوم ما يؤلم هو التطبيق الخاطئ من قبل جميع المحاكم، وعلى جميع المستويات لهذا الأجل الاسترشادي. وأصبحنا نعاين غرف الجنايات التي تعمل على تأخير الملفات لآجال ضيقة، لا تسمح سواء بدراسة الملف أو البحث في الاجتهادات القضائية أو غيرهما. فالفصل 120 من الدستور ينص على أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول، وحقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم. بمعنى ضمان المحاكمة العادلة واحترام حقوق الدفاع. هذا المبدأ الدستوري تم تكريسه قبل ذلك بعدة مواثيق دولية، فمتوسط الأجل الذي يستغرقه الفصل في قضية ما لا يمكن تصوره بأجل أسبوع أو أسبوعين أو شهر في غرفة الجنايات الابتدائية والاستئنافية. فهل يمكن في الجنايات خلال أسبوع أو أسبوعين بل وفي شهر أن يتم تبليغ جميع الأطراف بمن فيهم المتهمون في حالة سراح؟ هل يمكن تبليغ الاستدعاء عن طريق السلك الدبلوماسي خلال الأجل الاسترشادي؟ هل يمكن اجراء بحث تكميلي حين يقرر رئيس غرفة الجنايات الابتدائية أو الاستئنافية، ويتم ذلك خلال الأجل الاسترشادي، وما يستدعي من إجراءات الخبرات القضائية الطبية والتقنية؟ إن الأجل المنصوص عليه في الفصل 120 من الدستور، لم يقرر لمصلحة الوزارة أو لمصلحة السلطة القضائية أو مصلحة المحكمة، بل هو مقرر لمصلحة المتقاضي لوحده. وإذا رجعنا الى هذا الفصل نجد أنه معنون بـ "حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة". وبالتالي فهو موجه الى قواعد سير العدالة وليس سير المحكمة. إن الضغط على القضاة (وهو ضغط على الدفاع)، بأن يحكموا داخل أجل أسبوع أو أسبوعين، وفي بعض الأحيان في آخر الجلسة في المادة الجنحية التلبسية، فيه مساس بالمحاكمة العادلة، ومساس بحقوق المتقاضين، وبالتبعية مساس بالمفهوم الدستوري للأجل المعقول المنصوص عليه في الفصل 120 من الدستور. لقد أوضح المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المادة الثانية، أن الآجال المحددة في الجدول مجرد آجال استرشادية لتطبيق المادة 45 من القانون التنظيمي 106.13، ولا يترتب عنها أي أثر بالنسبة للدعوى. لكن واقع الحال غير ذلك. وأتمنى كممارس بهيأة الدفاع أن أصدق، لأن واقع الحال يخالف ذلك. لم أرد أن أشير إلى التأخيرات التي وقعت بتاريخ الخميس 2024-08-28 بغرفة الجنايات بالرباط بما فيها ملفات جرائم الأموال لأسبوع وأسبوعين، والتي دفعتني لأن أكتب هذا المقال، ربما يتم التدخل من أجل تغيير مفهوم التطبيق الذي أصبح يحاسب القاضي على الإنتاج، ولو على حساب حقوق الدفاع، ودون الحديث عن إرهاقه بالعدد الهائل من الملفات، والذي يؤثر لا محالة على الدفاع في تدبير الوقت الضيق. (*)محام بهيأة البيضاء