تشهد البيضاء، طيلة الأسبوع الجاري، دورات "شتنبر" للمقاطعات الجماعية، التي يفترض فيها الانخراط في نقاش حاسم حول الميزانية المقبلة، لرسم ملامح مستقبل المدينة. للأسف، في دورات أغلب المقاطعات، يقزم بعض المستشارين المدينة "العملاقة"، إذ تسود الفوضى، وتتسيد الاتهامات جدول الأعمال، وتوجه الاتهامات إلى الجميع بالفساد، ثم تبدأ "مسرحية" السب والقذف والصراخ، بعيدا عن منطق التدبير والاختلاف السياسي والانتقاد الإيجابي، خدمة للصالح العام. لا يدافع أحد عن الفاسدين، فهناك مؤسسات وجهات متعددة، دورها التحقق والعقاب، وفق القانون، لا أن تصبح المجالس المنتخبة مأوى "للبهرجة" وتصفية الحسابات الشخصية، أو "تخراج العينين" بالصراخ، أو المطالبة بتحقيق مآرب لا ينص عليها القانون. واقع بعض المجالس المنتخبة في البيضاء، يمس في جوهره، مفهوم الأحزاب السياسة في تدبير الشأن المحلي، وآفة اختيار المرشحين في الانتخابات الجماعية والبرلمانية، يكشف عن قصور سياسي في مواكبة مسلسل التنمية، الذي لن ينجح بالمطلق في الرفع من مستوى حكامة المدن، التي تنبني على تجديد النخب السياسية والارتقاء بمستواها التعليمي والمعرفي والأخلاقي والقيمي، بدل أسلوب "املأ خانة لائحة الانتخابات" بمن حضر، واترك لهم "جمل" المجالس المنتخبة، بما حمل. تسير البيضاء، في عهد محمد مهيدية، بسرعتين متناقضتين، إرادة وزارة الداخلية في إقلاع المدينة، وفشل جل ممثلي الأحزاب في مواكبة نهضتها، وبينها فاسدون يبحثون عن المواقع. هل تنجح الأحزاب في ضبط مرشحيها لتدبير الشأن المحلي مستقلا؟ المهمة شبه مستحيلة، بل إن التجارب نفسها تعاد بأساليب مختلفة، نورد أمثلة منها: المشهد الأول: في بداية الألفية، ترشح أستاذ باحث باسم أحد الأحزاب الوطنية، وله علاقات مع منظمات دولية مختصة في البيئة، فأعد مشروعا متكاملا بتنسيق مع خبراء لإنقاذ البيضاء من أزمة النفايات، ثم اكتشف أن منافسه، الذي لا مستوى دراسي له، يغرق المنطقة بالمال. وفي النهاية فاز "المال الانتخابي" واعتزل الباحث السياسة. المشهد الثاني: انتخب سعيد السعدي، عضوا بمجلس البيضاء، واشتهر الوزير السابق، في كل دورة، بتدخلاته الرزينة المعتمدة على الأرقام والإحصائيات، لكنه يواجه في كل مرة يعتلي المنصة بالتهكم، من قبيل "واش احنا جينا باش نقراو"... "راه جينا نصوتو"، وفي الأخير اعتزل السعدي الترشح. "فوق طاقتك لا تلام"، وطاقة بعض المستشارين لا تتحمل تدبير الشأن العام برقي والاختلاف المشروع، ففاقد الشيء لا يعطيه. خالد العطاوي للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma