كافح من أجل حلمه في التحصيل العلمي وتحدى كل المحبطين محمد الخواتري شاب، لا يتردد العديد من الناس في نعته بأنه شخص معاق، لإصابته بإعاقة جسدية لازمته منذ طفولته، وحرمته من الاندماج مع أقرانه الذين كانوا ينبذونه لأنه يختلف عنهم، لأنه لا يقدر على مشاركتهم اللعب، أو يتقاسم معهم شغبهم الطفولي، ولا يتواصل مع محيطه لصعوبة النطق التي تعتريه ما يزيد من متاعبه النفسية التي تتراكم يوما بعد يوم. لا يخجل محمد من الحديث عن حياته الخاصة، التي عرضها سابقا في أحد البرامج، إذ تقاسم مع مشاهديه تفاصيل حياته المثيرة والمحبطة، وتمكن بعد مسار طويل من المعاناة والإحباطات اليومية، من تسجيل اسمه بمداد من الفخر والاعتزاز ونجح في التسجيل بسلك الدكتوراة وإعداد أطروحة ناقشها بتفوق كبير. يتحدث محمد بمرارة عن مشاكله مع أقرانه ومحيطه قائلا" قد لا تكون قصتي ذات تأثير على الناس ولا تحمل زخما قويا كالتي تحمله مختلف القصص التي تعرض في برامج إذاعية وتلفزية، لكن أعتقد أن قصتي تستحق أن تدرس حتى تكون عبرة للجميع ولكل من يشبهني ويعيش وضع الإعاقة مثلي، وتكون باب أمل لكل شخص يعشق المغامرة، وتستهويه الأماني لينبعث بين جوانحه لهيب الأمل في الوصول إلى القمة، رغم حجم الإحباط واليأس المحيط بالمرء مهما كانت وضعيته الصحية". وأضاف محمد الخواتري، أنه من مواليد 1987 بمدينة توجد وسط المغرب، يعتز بيوم ميلاده لأنه التاسع من دجنبر 1987، "إنه اليوم الذي يصادف اندلاع انتفاضة أطفال الحجارة بفلسطين الجريحة، لذلك لن أمازح نفسي في أن الدماء الثورية التي تسكنني هي من وحي المصادفة". وأضاف، "ولدت وكما يحب للجميع أن يسموني معاقا رغم أني لا أحب هذه التسمية لأنها كما يقول سارتر تشيئني، تجعل مني سلعة وماركة مسجلة وفق شكل معين يلبي أهواء المجتمع.. كان الأطفال في صغري يرفضون اللعب معي،وكانوا يرونني مختلفا عنهم، حتى رياض الأطفال وقتها ترفض استقبالي لأني وكما يروق لهم تسميتي " ولد معاق"". واستطرد قائلا "قضيت طفولة غلب عليها النضج الباكر، نتيجة واقع التصابي والاستمتاع بشقاوة الطفولة غير مسموح بهما لطفل يعاني إعاقة، حرمت من مخيمات الأطفال، ومن فترات اللهو مع الأقران، وحتى الركض معهم لم يكن بمقدوري فعل ذلك، كان الإحساس صعبا وكانت أحلامي كبيرة لا يماثلها إلا معاناتي التي تكبر يوما بعد يوم. لا أتذكر جيدا متى تعلمت القراءة والكتابة ولا كيف تم ذلك، ما أتذكره أنني ولجت المدرسة، وعدا جهدا مريرا من قبل أسرتي التي واجهت كل العراقيل التي وضعتها الإدارة تحت مبرر أنني من ذوي الإعاقات فضلا عن أن المؤسسة لا تتوفر على أقسام مدمجة،كان ذلك سنة 1996". وقال "أذكر أني قضيت ست سنين في مرحلة الابتدائي، آليت على نفسي وأنا لم أجاوز الثماني سنوات أن أحقق ذاتي، وأثبت للعالم أني برغم إعاقتي، أستطيع أن أصنع المستحيل بعقلي وإرادتي، كان حلمي أن أصبح صحافيا يتحدث بلسان المستضعفين، كنت شغوفا بكرة القدم حد الهوس، كان أفقي واسعا للسير في مساري الدراسي حتى النهاية، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان". وأكد أنه "في خريف 2002 وبعد انقضاء العطلة الصيفية، كنت فرحا لأني سأنتقل للسلك الإعدادي، عالم آخر ينتظرني، وجوه أخرى ومعارف ومدارك أخرى ستتفتق، كنت حينها أنفتح على ما يجري حولي من أحداث، كنت مهموما بما يجري في فلسطين خاصة، والانتفاضة هناك اشتعلت منذ سنتين، كانت تؤلمني الصور القادمة من جنين ونابلس ورفح وكل شبر من فلسطين، والعين الأخرى على العراق المنخور بحصار دام لما يزيد عن عقد، وأصبح مهددا باجتياح وشيك، سنة ثقيلة مؤلمة سيزداد ألمها حين صدر عن مدير الإعدادية قرار بمنعي من إكمال دراستي تحت ذريعة المبرر نفسه "تهمة الإعاقة"". في 2010، يضيف محمد، "سأوفق مصادفة في اجتياز امتحان السلك الإعدادي بعد مرور سنوات من الانقطاع عن الدراسة، وبمجهود عصامي، كنت مضطرا أن أتدارك السنوات المهدورة خاصة في المواد العلمية، وبتوفيق من الله اجتزت الامتحان بامتياز، ونجحت رغم الإكراهات في نيل شهادة الباكلوريا، لأحقق حلمي بعدها بالتحاقي بالجامعة. أبواب الأمل ستفتح من جديد، وشخصية أخرى ستنبعث فيها الحياة، بعد فترة كمون علاها التهميش والاحتقار والازدراء، بعدها سأقضي ثلاث سنوات حصلت خلالها على الإجازة، وقضيت سنتين في سلك الماجيستير، وحاليا أواصل مساري في سلك الدكتوراه طالبا مجتهدا، متحفزا للنجاح والعطاء دون كلل". بعد أيام قليلة، سيناقش الطالب الباحث محمد الخواتري أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة السلطان مولاي سليمان حول موضوع "إشكالية القيم في الفكر المغربي المعاصر المهدي المنجرة نموذجا دراسة تحليلية نقدية" تحت إشراف ذ. محمد الناصري. لم يستسلم محمد أمام كل التحديات التي صادفته، بل دفعته عزيمته إلى أن يرفع تحديا، ليجتاز بنجاح، 2010 و2012، على التوالي امتحاني شهادتي الإعدادي، والبكالوريا اللتين اجتازهما في فئة الأحرار وبمجهود فردي، وتمكن من ولوج الجامعة، التي حصل فيها على شهادة الإجازة، والماستر، وبعدها على الدكتوراه. سعيد فالق (بني ملال)