في رحاب المدينة مع “با حسن لعروس”

في كتابه "المدينة القديمة بالدار البيضاء.. ذاكرة وتراث" حرص الكاتب المخضرم حسن لعروس، على التأريخ لذاكرة فضاء خبر مجاهله طيلة عقود وارتبط به نفسيا ووجدانيا، ليوثق لنا في هذا الكتاب تاريخ البشر والحجر والأحداث والواقع والشخوص عبر سفر ممتد في ذاكرته الشخصية وما علق بها من مشاهد وصور. عبر هذه الحلقات تأخذكم "الصباح" في عالم "با حسن" وعشقه اللامتناهي لمجال لا تحصره الأسوار المحيطة به إنه "المدينة القديمة". عزيز المجدوب (الحلقة العاشرة) السينما ودورهــا لم تكن المدينة القديمة داخل السور تتوفر إلا على دارين للسينما وهما "لامبيريال"، وسنيما "مدينا"، الأولى تقع قبل نهاية زنقة الكومندان بروفو، (الحنصالي حاليا) على الجهة الشرقية، وكانت قريبة من الأحياء الأوربية، وهي مختصة في الأفلام الغربية فقط، صغيرة المساحة بالمقارنة مع قاعات السينمات الأخرى، وكانت تعمل ليل نهار، من الثانية والنصف بعد الزوال إلى الخامسة، ثم 9 إلى 12 ليلا. أما السينما الثانية والأكثر شعبية، هي سنيما "مدينا" تقع بزنقة مراكش قريبة من الملاح، كانت في ملكية رب أسرة يهودية يسمى بنيامين، أتذكره وهو واقف ببذ لته وقبعته عند باب السنيما، يشغل معه خمسة مغاربة هم: مصطفى ولد الصناك، ولعور، والحاج الزبيدي، وآخر اسمه"برا" الذي شلت قدماه، واصبح عند اغلاقها مقعدا، ومن بين هؤلاء كان شاب صنديد شرس يسمى"عبد القادر ولد فطومة"، كان هذا الشاب لا يتورع في استعمال القوة والجبروت مع الزبناء المتوافدين على السينما، خصوصا في زمن كان فيه الإقبال عليها من أولى الأولويات، حيث لا وسيلة للفرجة ولا الاستمتاع والسهر إلا بالسينما ومشاهدة الأفلام. كانت قاعة "مدينا" تمزج بين الأفلام الغربية والعربية واليهودية، وقبل عرض الشريط كانت تقدم بعض المسرحيات الفكاهية أو يقدم الفنان لحبيب القدميري بعض النكات كفاصل، وكانت أن قدمت بعض الأفلام المصرية مثل "الوردة البيضاء" لمحمد عبد الوهاب، و"لحن الخلود" لفريد الأطرش وفاتن حمامة، وغيرها. ومن أشهر الشخصيات التي ارتبطت بهذه القاعة هناك شخصية "ولد فطومة"، إذ قبل بداية الشريط يفتح شباك صغير جدا على جانب باب السينما لا يسع لإدخال رأس إنسان، فلا ترى منه إلا جانبا من وجه بائع التذاكر، ويشرع الناس في حجز تذا كرهم، إلا أن الفوضى العارمة والصراخ والتشابك كانت تقع أثناء حيازة التذاكر، فبادر صاحب السينما "بنيامين" باستدعاء هذا الشخص لصلابته وشدة بأسه، فأوكل له مهمة ضبط النظام وفرض الهدوء، فما كان من ولد فطومة إلا أن أطلق يديه للعنان وصار يتصرف حسب هواه، إذ تسلح بسوط طويل (سمطة)، وبدأ يشرف على عملية اقتناء التذا كر ويأمر الزبناء باحترام الصفوف والتوقف عن الصراخ والفوضى، فترى عشرات المولعين بالسينما مصطفين واحدا وراء الآخر ، على امتداد أكثر من عشرة أمتار، وثمن التذاكر بين أيديهم وعبد القادر يسير ذهابا وإيابا والسوط لا يفارق يدياه، ونظرات الزجر تخرج من بين عينيه كالشرارة، فإذا ما شاهد أحدهم خارجا عن الصف ،أو حاول التجاوز، أو صدر عنه صراخ كان مصيره العصا والسب والشتم، ويظل مشرفا على سير عملية الدخول إلى أن يحين وقت عرض الشريط ليأخذ الناس أما كنهم ويد خل ولد فطومة إلى القاعة يتجول بين الصفوف والسوط لا يفارقه، فلا يسمح بالتدخين، وأي واحد خالف الأوامر يكون مصيره الشارع، ويحرم من الفرجة، بعد أن تغلق الأبواب والنوافذ، ويشرع في بث الشريط، قد يكون في الغالب من أفلام رعاة البقر لكثرتها.

في رحاب المدينة مع “با حسن لعروس”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لوك صيفي

عمر العزوزي... وجه السعد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات