الجاني حاول إيهام المحققين بأنه تعرض رفقة الضحية لهجوم بدافع السرقة في ذلك اليوم من نونبر البارد من 2016، استيقظ سكان تجزئة "المنار"، التي هي امتداد للحي الشعبي الكبير "السعادة"، على خبر مصرع شاب يتحدر من الزمامرة، والذي كان قيد حياته مستخدما في محل لغسل السيارات. ووسط تجمهر كبير، توقفت ثلاث سيـارات لأمـن الجديـدة مــؤازرة مــن فـريق مسـرح الجريمـة، حيـث انطلـق شـوط مـن البحـث الدقيــق الـذي كشــف الجانـي. تظاهر المتهم أنه هو الآخر ضحية هجوم نفذه جناة ليلا بدافع السرقة، وأنهم قتلوا الضحية ولاذوا بالفرار إلى وجهة مجهولة، دون أن يستطيع أن يخلق انسجاما منطقيا في أقواله، بالشكل الذي يجعلها منطقية ومقنعة. حيرة وتساؤل في ذلك اليوم، وقبل أن ينتشر خبر مصرع الضحية، ألف الناس، خاصة منهم بعض الزبناء، أن لا يظل محل لغسل السيارات مغلقا حتى الساعة الواحدة زوالا، لأنهم اعتادوا عليه مفتوحا كل يوم، من الساعة الثامنة صباحا وإلى حدود السابعة مساء، إذ يقدم المشرفون عليه خدماتهم لكل المترددين عليه. لكن أن يستمر مغلقا وإلى ما بعد منتصف النهار، ذلك ما أثار شكوكا كثيرة وتساؤلات، حتى من قبل شخص يتحدر من منطقة بني خلوق بالبروج، هو مالك المحل ويعيش بالمهجر، اتصل مرارا وتكرارا بصهره المكلف من قبله بالسهر على الإشراف على المحل المذكور دون رد، ما جعله يربط الاتصال بالمستخدم على هاتفه المحمول، دون أن يتلقى منه هو الآخر ردا، وليس ذلك من عادته، ما ولد لديه حيرة بأن مكروها ما حل بهما. ربط الاتصال بالأمن ووسط هذا الجدل والارتباك بسبب عدم فتح محل غسل السيارات أبوابه في وجه الزبناء، حل بالعمارة شاب كان على موعد لكراء شقة بالعمارة، التي تقع فوق محل غسل السيارات، لما طرق باب العمارة سمع أنينا منبعثا من داخلها ، ولما دلف إليها وجد من كان معه على موعد يئن ويطلب نجدة الوقاية المدنية، وهو ما قام به الشاب، وبعد لحظة توقفت سيارة الإسعاف ولحقت بها ثلاث سيارات ترجل منها أمنيون من المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية، وصعدوا أدراج العمارة إلى حيث تقع الشقة مسرح الجريمة، ودلفوا إليها من بابها الذي كان جزء منه مغلقا، وكانت دهشتهم كبيرة لما وجدوا الضحية جثة وتبدو على جبهته آثار تعنيف، كشف التشريح الطبي في ما بعد أنها كانت سببا في وفاته، بعد أن دخل في غيبوبة لم يستفق منها. وبالشقة وجد شخص آخر تظاهر بأنه يعاني هو الآخر كسرا في رجله، جراء اعتداء نفذه مجهولون ليلا عليهما بدافع السرقة. كشف الحقيقة انتدبت سيارة نقلت جثة القتيل إلى مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي محمد الخامس بالجديدة، وسيارة إسعاف حملت الشخص المتظاهر بالإصابة، إلى مستعجلاته للكشف عن صحة ما يدعيه. وبدا منذ أول وهلة للمحققين أن تضاربا في تصريحاته، هي الأكمة التي تخفي حقيقة الأمر، فكانت أول الخيوط الكاشفة هي نتيجة راديو الأشعة، التي أكدت أنه غير مصاب بأي كسر، ومن ذلك المعبر انتقل المحققون معه إلى أسئلة أكثر دقة، ومنها فحوى ذاكرة كاميرا مراقبة بمدخل العمارة، لم تقدم معطيات بشأن غرباء اقتحموها في ليلة الاعتداء، وأيضا عدم تعرض باب الشقة للكسر،وأن كل المعطيات تؤكد أنه فتح عن طيب خاطر ودون قوة، وأن ذلك يحيل فعلا على سيناريوهات من خياله، وفي لحظة توقف عن الإجابة عن الأسئلة الدقيقة، التي حوصر بها من قبل المحققين، طأطأ رأسه في إشارة التقطوها، تفيد طبعا أن حبل الكذب قصير وأن لحظة بوحه بالحقيقة لا مفر منها. اعتراف ومحاكمة لم يجد القاتل أي تبرير لادعاءاته، سوى أنه لم يعد يتذكر ما وقع في تلك الليلة، قبل أن يبوح أنه في ليلة الجريمة وبعد العشاء، طالبه الضحية بدين مالي في ذمته، وأن تلك المطالبة تحولت إلى تلاسن ثم إلى عراك شرس، ولأن الضحية كان قويا، استعان بلاقط رقمي "ريسبتور" وسدد بواسطته ضربة قوية على رأس الضحية، كانت كافية لإزهاق روحه، وأنه ظل يفكر في حيلة تبعد الشبهة عنه، وأنه اهتدى إلى التظاهر بأنه هو الآخر ضحية قبل أن يكشفه التحقيق، حيث قدم للمحاكمة ونال ثلاثين سنة سجنا نافذا. عبد الله غيتومي (الجديدة)