في عالم السياسة، عندما تنفد الحجج ويصعب النقاش، يلجأ البعض إلى سلاح قديم: مقاطعة الفن! وكأن الفنانين، بآلاتهم الموسيقية وألحانهم، رموز للشر المستطير، يجب الوقوف في وجوههم بكل قوة. تخيل المشهد التالي: عدد من السياسيين يجلسون في غرفة مظلمة أمام الحواسيب، لا يبحثون عن حلول للمشاكل العويصة، وزيادة وعي الناس بالقضايا الأساسية، والرفع من مستوى التعليم، بل ينقبون عن تبريرات لمقاطعة الفن والثقافة. لم ينل مهرجان ما من حملات المقاطعة، أكثر من "موازين"، الذي أصبح عقدة تيارات سياسية وعدميين وناشري البؤس والظلام، الذين لا يرون في الفن إلا باعتباره وسيلة لإلهاء الجماهير عن القضايا الحقيقية، مثل البطالة والفقر، فالفنانون مذنبون في نظرهم، وهم سبب كل مصائب الكون! وربما هم السبب في سوء الطقس أو زيادة أسعار الطماطم في رمضان الماضي! أصبح مهرجان "موازين"، مثل زيارة طبيب للأمراض النفسية، إذ كشف عن "هوس مرضي" للحاقدين عن الفن والثقافة، الذين يبثون مقاطع فيديو مفبركة حول نجاح مقاطعة المهرجان، أو ينشرون، في مواقع التواصل الاجتماعي، تدوينات تستهدف كل من تجرأ على دعم الفن والثقافة، فإذا شاهدت سهرة في التلفزيون، أو حضرتها في الرباط، فأنت متهم بالتآمر ضد المجتمع. لكن لماذا كل هذا العداء؟ لأن الفن والثقافة يثيران الأسئلة، ويشجعان على التفكير والنقد، ما يخيف تيارات سياسية تؤمن ب"الخلافة على منهاج النبوة"، أو تؤمن بأن "الفن مخدر للشعوب". فيستحيل غسل دماغ شخص ما يفكر ويطرح الأسئلة. لم يستفد دعاة المقاطعة من تجاربهم في السنوات الماضية، فحملات مقاطعة الفن غالبا ما تأتي بنتائج عكسية، إذ يزداد إقبال الناس على الأعمال الفنية بدافع الفضول والتحدي، ولسان حالهم يقول:" إذا كنتم تريدون منعنا، سنزداد حبا واهتماما". الفن بالنسبة إلى هؤلاء "المنتقدين" هو فيروس يهدد نقاء المجتمع، إذ لا يرون في فرشاة رسام إلا سلاحا للدمار الشامل، أو يعتبرون نوتة موسيقية خطرا يهددهم، إذ يؤمنون بأن العالم سيكون أفضل، دون تلك اللوحات التي تزين جدران المعارض، أو تلك الألحان التي تثير المشاعر. يغيظ الناقمون إيمان المبدعين بأن الموسيقى واللوحات الفنية لها القدرة على تغيير العالم، فالفن والثقافة مثل بطلين في رواية رومانسية، يواجهان العواصف بتحد، فعشاق الجمال والإبداع موجودون دوما، ينثرون الفرح وينشرون الألوان في عالم يميل إلى الرمادي. خالد العطاوي للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma