إعمار الحوز… عثرة البدايات

تأخر في إزالة الأنقاض وتهييئ البنية التحتية وغلاء اليد العاملة والبيروقراطية تؤجل إيواء المنكوبين مرت قرابة عام على كارثة زلزال الحوز، وما تزال مشاريع إعمار المناطق المنكوبة في مرحلتها الجنينية، إذ رغم توصل المتضررين بالشطر الأول من دعم إعادة الإعمار، وإصدار عشرات آلاف رخص البناء، إلا أنه على الأرض، ما تزال الأمور على ما كانت عليه عقب الزلزال، ما يؤشر على أن حلم إعادة إعمار الحوز، يحتاج سنوات، بالنظر أن جل المنازل المنهارة لم يبدأ فيها العمل بعد، في حين اكتفى جزء يسير بحفر الأساسات. إنجاز: عصام الناصيري / تصوير (عبد اللطيف مفيق) (موفدا الصباح إلى الحوز) حصل شبه إجماع وطني ودولي على سرعة استجابة السلطات المغربية لأزمة الزلزال، خاصة في ما يتعلق بالإجراءات التي تلت الفاجعة، المتعقلة بإعادة الإعمار، إذ لم يمر أزيد من أسبوع على الفاجعة، حتى أعلن الديوان الملكي، عن خطة إعادة إعمار المناطق المنكوبة، لكن واقع الضحايا لم يتغير كثيرا، إذ ما يزال جزء منهم في الخيام وجزء آخر في منازل الكراء، نتيجة تعثر إعادة الإعمار. ورطة الأنقاض تشكل الأنقاض المتراكمة في مختلف المناطق التي أصابها الزلزال تحديا حقيقيا، يكبل السلطات والمتضررين عن القيام بأي نشاط في ما يتعلق بإعادة الإعمار، إذ أن ملايين الأطنان من الركام ما تزال في موقع الحادث، ويتطلب رفعها الوقت والجهد. تشهد مجموعة من أحياء مركز أمزميز، المتضررة من الزلزال، حركة دؤوبة للشاحنات، التي تحمل مخلفات المنازل، من أتربة وقطع الآجر المكسرة وقضبان الحديد والأخشاب وغيرها إلى مكان بعيد عن مركز المدينة، مستعينة بالجرافات وآلات كبيرة، تقوم بتهيئة الأحياء لتصبح قابلة للبناء. وبما أن حجم الدمار كبير فإن الأنقاض تحتاج أشهرا ليتم رفعها بشكل نهائي، إذ أن العمل بدأ منذ مدة ويحتاج أشهرا أخرى قبل الانتهاء بشكل كامل من جحيم تلك الأنقاض التي تجثم على المكان، علما أن هناك مجموعة من المنازل التي تحتاج إلى هدمها وحمل ركامها بعيدا. ولا تقتصر ورطة الأنقاض على مركز أمزميز، بل إنها ظاهرة عامة تؤرق جميع المناطق التي زارتها "الصباح"، إذ أن مجموعة من القرى والدواوير لم تصلها بعد الجرافات، ولم يبدأ العمل فيها. أياد مكبلة رغم أن الحكومة صرفت الشطر الأول من منحة إعادة الإعمار، التي قدرت بـ 20 ألف درهم، وصدور ما يفوق 51 ألف رخصة بناء، إلا أن المتضررين وقفوا عاجزين عن البناء، بسبب أن معظم المناطق لم تتمكن السلطات بعد من رفع الأنقاض فيها، ولا يستطيع السكان البناء فوق أكوام من مخلفات الهدم. وفي هذا السياق يقول محمد بلحسن، رئيس تنسيقية منكوبي الزلزال بأمزميز، إن عددا لا بأس به من السكان لم تشملهم الاستفادة رغم وجود ضرر، من قبيل أن منازل البعض منهارة ولم تعد صالحة للسكن، وتم إقصاؤهم، وعندما يذهب المقصي إلى العمالة يرسلونه إلى السلطة المحلية والعكس صحيح، وهناك من يبرر أيضا هذا الإقصاء باللجنة الأولى التي قامت بالإحصاء. ويوضح بلحسن أن هناك إشكالا آخر لا أحد يتحدث حوله، ويتعلق بالمنازل الثانوية، إذ يكون الشخص غير قاطن بالمنطقة، فإما أنه يشتغل في إحدى المدن الكبرى، أو من الجالية المغربية بالخارج، ويفني حياته من أجل بناء منزل له في موطنه الأصلي يعود إليه بعد التقاعد، وهذه المنازل انهارت بسبب الكارثة، ولم يتم إحصاؤهم. وتسببت هذه المنازل الثانوية في إشكاليات للسلطات، إذ ليس لها حق رفع الأنقاض وإزالتها من مكانها، إذ وجدت نفسها أمام معادلة كيف يمكن إزالة معالم منزل دون تعويض ذويه. وإذا كان صاحب المنزل الثانوي لا يستحق على سبيل المثال الدعم الشهري، فيجب أن يستفيد من دعم إعادة الإعمار، حسب بلحسن، لكن الحكومة ربطت الاستفادة من منحة إعادة الإعمار بالاستفادة من المنحة الشهرية، رغم أن الخطاب الملكي فصل بينهما. وهناك بعض المناطق التي بدأت فيها عملية إزالة الأنقاض، وتوقفت بسبب أرباب هذه المنازل الثانوية، ما آخر عجلة إعادة الإعمار في المنطقة، إذ هناك أحياء بكاملها توقف العمل فيها لهذا السبب. ويكتفي موظفو العمالة والسلطات المحلية، بعبارة واحدة، ترددها على مسامع كل محتج، وهي "غير قاطن"، إذ تستعمل هذه العبارة في إسكات المحتجين، رغم أن الضرر ثابت ولا علاقة له بما إذا كان الشخص قاطنا من عدمه. محنة الدواوير إذا كان مركز أمزميز على سبيل المثال، بدأت فيه أشغال إزالة الأنقاض رغم تعثرها، فإن بعض القرى لم تصلها الجرافات بعد، ولم يتمكن السكان من الشروع في إعادة الإعمار، وبناء مساكنهم. يقول شاب من قيادة أزكور بإقليم الحوز، في حديثه مع "الصباح"، مشيرا بأصبعه إلى تل من الركام غير واضح المعالم، "كان بيتنا في هذا المكان، ورغم أننا توصلنا بالشطر الأول من الدعم، إلا أننا لا نستطيع فعل شيء بسبب تلك الأنقاض، إذ أن 20 ألف درهم التي توصلنا بها لا تكفي لإزالة الركام". وحسب التصريحات التي استقتها "الصباح" من قيادة أزكور، فإن السلطات لم تخبر السكان بعد بأي تاريخ للشروع في إزالة الأنقاض، ما جعلهم يعيشون في حيرة، إذ لا يعلمون ما إذا كانت السلطات ستتكلف بإزالتها، أم أن السكان من سيقومون بهذا العمل بأنفسهم، ما جعل إعادة الإعمار مجمدة إلى حين التوصل إلى حل. محاولات جنينية داخل قرية أزكور، هناك شخص واحد من بين عشرات الأسر من شرع في تجهيز منزله، إذ قام بحفر الأساسات وصب الخرسانة، وهي المرحلة الأولى التي اشترطتها الحكومة في الشطر الأول من الدعم. وأما باقي السكان فلم يبدؤوا بعد لسببين رئيسيين، الأول له علاقة بإزالة الأنقاض، والثاني يتعلق حسب السكان بأن الشطر الأول من الدعم غير كاف، من أجل تجهيز البقعة وبناء الأساسات (الطبلة). وأما في مركز أمزميز، فإن تقدم الأشغال أفضل مما هو عليه في القرى، إذ أن مجموعة من الأشخاص قاموا بحفر الأساسات وصب الخرسانة، وهناك من أكمل الشروط التي وضعتها الحكومة، في حين أن جزءا آخر لم تكفيه الأموال التي صرفت له، وينتظر استكمال البناء. وشرع بعض المستفيدين أيضا في ترميم منازلهم، إذ يقومون بتدعيم البيوت، وهدم بعض الواجهات وإعادة بنائها، لكن من أجل بناء منزل متكامل، فإن الطريق ما يزال طويلا. وإذا كان الاعتقاد السائد أن سكان المناطق الجبلية يعانون البطالة وقلة فرص العمل، فإن الزلزال قلب الآية، وأصبحت اليد العاملة عملة نادرة في المناطق المنكوبة، سواء تعلق الأمر بتقنيي البناء (المعلمين) أو العمال العاديين، إذ تتراوح أجرة "المعلم" حسب المعطيات التي استقتها "الصباح"، ما بين 200 درهم و300، في حين تصل الأجرة اليومية للعامل العادي إلى 150 درهما. تصاميم غير مناسبة من المشاكل الكبيرة التي يواجهها سكان المناطق المنكوبة، التصاميم التي اعتبرها جزء كبير غير صالحة لطبيعة التكوين الاجتماعي في المنطقة، فرغم أن البعض كان يقطن في منزل مساحتها تتجاوز مائة متر، بسبب كثرة أفراد الأسرة، إلا أن التصاميم المعتمدة لم تراع هذا البعد، وجلها لا تتجاوز 70 مترا. وفي هذا السياق يقول بلحسن، في حديثه مع "الصباح"، إن أغلبية السكان حصلوا على بقع تتراوح ما بين 50 مترا و70، مبرزا "بما أن تكويني تقني في مجال البناء، فإن المساحة لها علاقة بحجم الدعم الذي صرف للسكان، إذ أن 140 ألف درهم، لا يمكن أن تبني منزلا مساحته تتجاوز 70 مترا مربعا". ويشير بلحسن إلى أن بعض المنازل كانت تؤوي أسرتين أو أكثر، غير أن هذه المساحات التي توجد في التصاميم، قد لا تكفي حتى أسرة واحدة، مؤكدا أن مركز أمزميز لا يعاني هذه الإشكالية بشكل كبير، لأنه تأثر بنمط عيش المدينة، لكن الإشكال يوجد في الدواوير، التي كانت الأسر تتوفر على منازل وأماكن لإيواء ماشيتها وحيواناتها، إذ يطرح السؤال كيف يمكن لهذه الأسر أن تعيش في منزل من 70 مترا مربعا. الواقع يكذب المنصوري عندما حاصر النواب البرلمانيون فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، صرحت بأن إعادة الإعمار بدأت وأنه تم تسليم 51 ألف رخصة، لكن الواقع لا يقاس بعدد الرخص المسلمة للسكان، إنما بتقدم الأشغال على الأرض. ويقول منسق تنسيقية منكوبي الزلزال بأمزميز، إن عدد الرخص المصرح بها لا يناقش، لكن التطبيق على أرض الواقع غير موجود، إذ هناك مجموعة من الإكراهات، فعلى سبيل المثال "حصلت على الرخصة ومخطط المهندس، لكنني لم أتوصل بعد بمخطط الخرسانة المسلحة، ومع ذلك يتم احتسابي ضمن 51 ألف رخصة، رغم أن ملفي لم يكتمل بعد". ويضيف بلحسن، "لنفترض أنه بعد 15 يوما توصلت بمخطط الخرسانة المسلحة، فإن الحي الذي أقطن به، تنعدم فيه شبكة الربط بالماء والصرف الصحي، الأمر نفسه بالنسبة إلى شبكة الكهرباء، وإذا أردت فقط أن أبدأ البناء، فأضعف الإيمان أنني أحتاج الماء، الذي لم يعد يصل إلى مكان منزلي المفترض". وشدد المتحدث ذاته على أنه قبل الشروع في البناء تجب تهيئة البنية التحتية للمنطقة، لتوفير حلول للسكان عوض صرف أموال البناء على براميل المياه وغيرها، علما أن جل السكان فوجئوا بأنهم استفادوا فقط من الدعم الجزئي، إذ أن قلة قليلة من استفادت من 140 ألف درهم، رغم أن السلطات فرضت عليهم هدمهم ما تبقى من المنزل. ويرى بلحسن أن البناء في الدواوير سيكون أسرع، بحكم أنهم لن ينتظروا المكتب الوطني للماء والكهرباء، الذي تعوضه الجمعيات المحلية، ولا يحتاجون شبكة الصرف الصحي، إذ يعملون بنظام الحفر، رغم أنهم يواجهون بدورهم إكراهات مع مكاتب الهندسة والمختبرات. وأكد المتحدث ذاته، أن مكاتب الهندسة والمختبرات، التي فازت بالصفقات، لا تقوم بعملها كما يجب، فعندما يريد الشخص بداية الحفر على سبيل المثال، يكون مضطرا لانتظار تأشير المختبر، الذي لا يتنقل مستخدموه للدواوير كل يوم، بل يقولون للسكان اجمعوا لي عشرة أشخاص حينها يمكن الانتقال، وهو ما حولها إلى عامل معرقل عوض مساعد على تسريع وتيرة الأشغال.

إعمار الحوز… عثرة البدايات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"سورسي" لشهادات طبية مزورة

تليف الرحم... أورام مؤلمة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات