انبهر البيضاويون بحيوية محمد مهيدية، والي جهة البيضاء سطات، فأينما حل، تدب الحياة في الشوارع، وتتعدد الأشغال، وتشيد الحدائق، ويختفي الباعة الجائلون. أصبح مهيدية، في نظر سكان المدينة، فارسا (للإشارة هو حاصل على وسام العرش من درجة فارس)، إذ علمتهم التجارب أن المسؤولين المتعاقبين على تسيير المدينة يفضلون الاستمتاع بالمكاتب الوثيرة، وتوجيه الأوامر من هواتفهم المحمولة الأنيقة. شخصيا، تراودني شكوك بأن مهيدية شخص عاد، بل أكاد أجزم أنه أحد أبطال الكاتب الجاحظ، في مؤلفه "الحيوان"، فالتشابه بينه وبين أبطال الكتاب متطابقة، فالجاحظ يتحدث عن "سياسة الأقوام"، ويتكلم عن المسائل الجغرافية وخصائص البلدان، وتأثير البيئة في الحيوان والإنسان والشجر، كما يتناول الطب وأمراض الحيوان والإنسان، أما مهيدية، فبرع في تدبير الخلافات السياسية لجعلها في خدمة المواطن، ونجح في استيعاب طبيعة وجغرافية المدينة، وتأثير المشاريع على الإنسان والعمران، فحتى الكلاب السائبة وجد طريقة لتخليص شوارع المدينة منها". عفوا أيها "الفارس"... يخشى البيضاويون أن يتسرب الملل إلى شرايين مهيدية، فالرجل وحده يطوف بين الأزقة ويجول بمناطق الجهة، ويمتطي الحافلة أو سيارته للتأكد من سير الأشغال، ويفاوض المقاولات لتحديد تاريخ الانتهاء من بعض البرامج، ويحضر سقوط بناية، ثم يطير إلى منطقة أخرى لمعاينة معاناة السكان. يتحسر سكان العاصمة، لأن حيوية مهيدية تقابل بـ "النوم في العسل" لدى مسؤولين آخرين، فعمال العمالات والقياد والمنتخبون لا تصيبهم صعقة العمل، إلا بعد تلقيهم مكالمة هاتفية من ديوان مهيدية بخصوص زيارة ما، أما في باقي الأوقات، فيخلدون إلى طبيعتهم في النوم و"العام طويل". قضى مهيدية أزيد من سبعة أشهر في ترويض "الغول"، لكن المهمة لن تنتهي إلا بقتل لا مبالاة المسؤولين، حتى أن مسؤولا في السلطة المحلية تمنى أن يستفيد الوالي من عطلة طويلة، حتى ينعم براحة الكسل بدوره. يحكي "سعيد حظ" التقى مهيدية في ورش، أن الرجل يؤمن بمقولة الملك محمد السادس، في افتتاح الدورة الأولى من الولاية التشريعية في 2014، بأن "الاعتزاز بالانتماء للمغرب، هو شعور وطني صادق، وإحساس يكبر مع المواطن، ويعمق إيمانه وارتباطه بوطنه، ويتطلب الكثير من الجهد، لتوفير ظروف العيش الكريم للمواطنين". يخاف البيضاويون أن يصبح الوالي مهيدية فارسا بلا أجنحة، تماما مثل قصة "دون كيشوت وطواحين الهواء"، فـ "اليد الواحدة لا تصفق دائما"، وتغيير المسؤولين أساسي، حتى يستنشق السكان هواء مدينة قطعت مع الفوضى والعبث. خالد العطاوي للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma