اختـلالات مزمنـة

أبا عقيل: مشكل التنقل يتحكم فيه منطق التدخل اللحظي وغياب التخطيط الإستراتيجي يجمع مختلف الفاعلين على أن أزمة التنقل داخل الدارالبيضاء، سببها التدبير العشوائي لهذا المرفق العمومي، وغياب مخطط إستراتيجي للنقل، يأخذ بعين الاعتبار خصوصية العاصمة الاقتصادية ونموها الديمغرافي وموقعها الاقتصادي، وسيادة منطق التدبير تحت الضغط، واللجوء إلى الحلول الجزئية، بعيدا عن الرؤية المندمجة لتطور المدينة، في إطار سياسات عمومية ترتكز على دراسات عميقة للمجال العمراني والتهيئة الحضرية. وشكلت البيضاء نموذجا للسياسات العشوائية في مجال التنقل، وسيادة منطق التجريب وغياب الرؤية الإستراتيجية، إذ ظلت تتخبط بين أشكال عدة من التدبير، من تجربة الوكالة الحضرية إلى التدبير المفوض، إلى شركات التنمية المحلية، وهي تجارب أبانت عن اختلالات عميقة مكلفة، لم تنجح في حل إشكالية التنقل داخل المدينة المليونية. ويرى عبدالله أباعقيل، الأستاذ الجامعي وعضو مجلس مدينة البيضاء، أن هناك منطق رد الفعل فقط في تدبير السياسات العمومية، من قبل المؤسسات المخول إليها تدبير الشأن العمومي، باتخاذ قرارات تهدف فقط إلى إيجاد حلول لمشاكل طارئة، دون رؤية سياسية للمشكل في عمقه، وبلورة سياسة عمومية تستجيب لحاجيات المدينة. وأوضح أباعقيل، في حديث مع "الصباح"، كيف يتم التغاضي عن بناء مدينة جديدة في ضواحي البيضاء، مثل مدينة الرحمة، دون أن يتم التفكير في المشاكل والإكراهات، التي ترافق هذا التوسع، والذي تصبح معه المؤسسات مطالبة بتدبيرها بأي طريقة، وهو ما يخلق مشكلا لا نهاية له. إن مشكل التنقل في البيضاء، يقول الفاعل السياسي المعارض، وعضو مجلس المدينة، يتحكم فيه منطق التدخل اللحظي لمعالجة مشكل في نقطة معينة، وفي الوقت ذاته يخلق أزمة في منطقة أخرى، مستدلا باختيار "الطرامواي"، والذي سيغلق الطريق أمام السيارات، في غياب التخطيط، مضيفا أن اتخاذ قرار ما يفرض مرافقته بمجموعة من التدابير والقرارات الموازية، لأن فتح ممر "للطرامواي" أو "الباصواي"، يعني التضييق على الطريق الخاصة بالسيارات، ما يفرض إما تقليص استعمال السيارات، أو فتح طرق جديدة، وهو مشكل في مدينة تعرف الازدحام مثل البيضاء. وأكد مستشار الحزب الاشتراكي الموحد بمجلس المدينة، أن الأخطاء ذاتها في تدبير هذا المرفق، مازالت تتكرر، بسبب غياب رؤية إستراتيجية للتنقل في البيضاء، مشيرا إلى أن هناك معطيات لا تأخذ بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات المتعلقة بالنقل، متسائلا "كم هو عدد البيضاويين، الذين يتنقلون داخل المدينة بالسيارة؟"، والجواب، يقول أباعقيل، حسب الإحصائيات المتوفرة، هو ما بين 8 و9 في المائة، الذين يختارون السيارة وسيلة للتنقل، في الوقت الذي يلاحظ توجيه أغلب الاستثمارات العمومية لتوسيع الطرق لفائدة مستعملي السيارات، والحال، يقول أبا عقيل، أن أغلبية البيضاويين يتنقلون راجلين، على الأرصفة. وسبب هذا الاختلالات في تدبير السياسيات العمومية المرتبطة بالنقل، يقول أبا عقيل، هو غياب رؤية إستراتيجية لتطور المدينة، يتسبب في هذه المشاكل التي تظهر في كل مرة، في الوقت الذي توجد دراسات مقارنة عالميا في هذا الصدد، مشيرا إلى مدن عالمية اختارت التركيز على التنقل بالسيارات، مثل لوس أنجلس، والقاهرة، حيث يتم إنجاز طرق كبرى وجسور معلقة "الكوبري"، في حين هناك مدن أخرى اختارت تعزيز بنيات التنقل الجماعي، مثل "الطرامواي" و"الميترو" والحافلات، وتقليص عدد السيارات الخاصة، التي تلج المدينة، مثل أمستردام الهولندية. برحو بوزياني تجنب الأسئلة الحقيقية قال أباعقيل إن الاختيارات الحقيقية لم يسبق طرحها بالنسبة إلى البيضاء، من قبل المسؤولين، كما لم يتم طرح أسئلة عميقة تهم مستقبل المدينة، وطبيعة الرؤية الإستراتيجية، التي يجب وضعها لها من أجل وضع سياسة للتنقل، مؤكدا أن مثل هذا العمل لم يسبق أن قامت به السلطات والمؤسسات العمومية، بسبب طبيعة الاختيارات السياسية المنتهجة، مشيرا إلى أن السياسيين يتغاضون عن طرح السؤال عن عدد سكان البيضاء، الذي لا يتجاوز 3 ملايين و700 ألف نسمة، ولا يعرف هذا الرقم تغيرا منذ 15 سنة تقريبا، دون أن يعني هذا أن المدينة لا تكبر، مشيرا إلى أنها تكبر في الضواحي مثل دار بوعزة وبوسكورة، حيث أن أغلب سكانها يشتغلون في البيضاء، دون أن يقطنوا بها، وهو ما يعمق أزمة التنقل من خلال ممارسة ضغط إضافي، إذ يضطر قاطنو الضواحي إلى استعمال سيارات خاصة للتنقل، في غياب وسائل نقل أخرى، ما يسبب الاكتظاظ. اختيار لا معنى له توقف أبا عقيل عند مشاريع إنجاز مرائب وسط المدينة، أي في نهاية "الطرامواي"، ما يعني خلق جاذبية للسيارات، مؤكدا أن هذا الاختيار لا معنى له، إذ يعمق مشكل الازدحام، مؤكدا أن تلك المرائب كان من المفروض، أن تبنى في بداية خط "الطرامواي" في سيدي معروف مثلا، لإيصال رسالة إلى سكان الضواحي باستعمال السيارات وتركها في المرائب، وإتمام طريقهم إلى وسط المدينةعبر "الطرامواي". إن أزمة التنقل في البيضاء، رغم الاستثمارات الضخمة المكلفة، لن تحل مشكل التنقل والازدحام، بسبب غياب تصور إستراتيجي، مبني على دراسات عميقة وسياسات مندمجة، واختيارات سياسية واضحة. ب.ب

اختـلالات مزمنـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تمرد يهدد مونديال الأندية

عدلي: نسينا إخفاق "الكان"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات