الغنبوري قال إن جولة أبريل رهينة مقاربة انفرادية تحمل تكلفة إصلاح منظومة التقاعد للعاملين كشف علي الغنبوري، منسق البرامج داخل مرصد العمل الحكومي، عن ثلاثة مخاوف كبرى قد تعيق تطبيق الاتفاق الاجتماعي الموقع بين المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا والحكومة، في إشارة إلى المقاربات الانفرادية والإخلال بتوازن الحقوق والواجبات وتحميل تكلفة إصلاح منظومة التقاعد للعاملين. وسجل الغنبوري، في حوار مع "الصباح"، أن المرصد يثمن الحرص الحكومي على الحفاظ على مأسسة الحوار الاجتماعي والتقيد بمواعيد انعقاده، وتحويله إلى مؤسسة منتجة للقرارات والمكتسبات والإصلاحات، منوها بالالتزام بتفعيل مضامين اتفاق 30 ابريل 2022، على أن تتحمل الحكومة إصلاح التقاعد بمعية العاملين والمشغلين في أفق إخراج إصلاح دائم ومتوازن ومقبول من قبل الجميع، في ما يلي نص الحوار. أجرى الحوار: ياسين قُطيب أصدرت الهيأة التي تشغلون فيها منصب منسق البرامج ورقة رصدية بخصوص الاتفاق الاجتماعي بين الحكومة والنقابات، ماهي أسباب النزول؟ إن الهدف من الورقة الرصدية التي أصدرناها هو إجراء تقييم الأثر الأولي لنتائج الحوار الاجتماعي خلال دورة أبريل 2024، وإثارة المخاوف والتحذيرات خاصة في ما يتعلق بتعامل الحكومة مع تنفيذ ما تعهدت به، في أفق المساهمة المدنية في النقاش العمومي حول إنجاح هذا الاتفاق. وقد تمكنت الحكومة في ظل سياقات اجتماعية واقتصادية صعبة، تميزت بارتفاع مستويات التضخم وتعدد الأزمات الاقتصادية الداخلية والخارجية، وتأثيراتها الحادة على الوضع الاجتماعي وعلى القدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي في عدد من القطاعات المهنية، من إبرام اتفاق جديد حول تنفيذ الالتزامات والمبادئ العامة، التي تضمنها اتفاق 30 ابريل 2022. هل التزمت الحكومة بما هو في مقدورها؟ تجلت الالتزامات الحكومية على مستويين أساسيين، الزيادة في الأجور وتخفيف العبء الضريبي، إذ تضمن اتفاق الحوار الاجتماعي الجديد مجموعة من المكاسب ذات الوقع المالي المهم، من أهمها الزيادة العامة في الأجور بألف درهم مقسمة على دفعتين، بالنسبة لموظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، الذين لم يستفيدوا من مراجعة أجورهم، بالإضافة إلى زيادة جديدة في الحد الأدنى للأجر في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية في القطاع الخاص، بمقدار 10 في المائة مقسمة على دفعتين. كما شمل هذا الاتفاق تدابير متعلقة بتخفيف العبء الضريبي عن الأجور، من خلال مراجعة نظام الضريبة على الدخل، ابتداء من فاتح يناير 2025، حيث تم رفع شريحة الإعفاء من 30 ألف درهم إلى 40 ألفا، ما سيؤدي إلى إعفاء الدخول التي تقل عن 6 آلاف درهم، ومراجعة باقي الشرائح من أجل توسيعها لتخفيض الأسعار المطبقة على دخول الطبقة المتوسطة، مما سيمكنها من الاستفادة من تخفيض هذه الأسعار بحوالي 50 في المائة من السعر المطبق حاليا، بالإضافة إلى تخفيض السعر الهامشي لجدول الضريبة على الدخل من 38 في المائة إلى 37 في المائة، مع الرفع من مبلغ الخصم السنوي على الأعباء العائلية التي تحملها الخاضعون لهذه الضريبة، من 360 درهما إلى 500 درهم. مازالت النقابات تحذر من التأخر في مسار الأوراش الإصلاحية والقوانين، كيف يقيم المرصد التقدم في مجال التشريع الاجتماعي؟ لا يجب أن نغفل بأن الاتفاق الجديد تضمن مجموعة من الإصلاحات المهمة والاستعجالية، في مقدمتها صناديق التقاعد التي نص الاتفاق على مباشرة إصلاح شمولي للتقاعد انطلاقا من مقاربة تشاركية، بهدف إرساء منظومة من قطبين (عمومي وخاص)، مع التأكيد على الحفاظ على الحقوق المكتسبة ومراجعة منظومة الحكامة وربطها بالممارسات الجدية في هذا المجال، مع التأكيد عل وضع تصور شامل لهذا الإصلاح لعرضه في دورة الحوار الاجتماعي لشتنبر 2024، مع تقديمه للمصادقة في دورة البرلمان لأكتوبر 2024. كما شمل الاتفاق التأكيد على إخراج قانونين مهمين، إذ تم الاتفاق على إخراج القانون التنظيمي للإضراب خلال دورة البرلمان الربيعية لسنة 2024، مع الاتفاق على مجموعة من المبادئ الأساسية، التي يتوجب أن يتضمنها، حيث تم التأكيد عل ضرورة توافق مشروع القانون مع أحكام الدستور والمواثيق الدولية، المتعلقة بممارسة حق الإضراب، والموازنة بين ممارسة الإضراب وحرية العمل، وضبط المرافق التي يستوجب نظرا لخصوصيتها، توفير حد أدنى من الخدمة فيها خلال مدة الإضراب، بالإضافة إلى تعزيز آليات الحوار والمفاوضة في حل نزاعات الشغل الجماعية. لقد تم الاتفاق على المراجعة التدريجية لمقتضيات مدونة الشغل، بهدف تحقيق التوازن، بين إنتاجية المقاولة والحفاظ على تنافسيتها، وبين الهشاشة في التشغيل لخلق مناصب الشغل اللائق وتشجيع الاستثمار، ومراجعة الإطار القانوني والمؤسساتي للتكوين المستمر لفائدة الأجراء، بالإضافة إلى مراجعة التدابير القانونية، المتعلقة بالانتخابات المهنية لانتخاب مناديب العمال، أعضاء اللجان الثنائية. زيادات ستكلف 20 مليار درهم لقد ثمن المرصد الحرص الحكومي الحفاظ على مأسسة الحوار الاجتماعي والتقيد التام بمواعيد انعقاده، وتحويله إلى مؤسسة منتجة للقرارات والمكتسبات والإصلاحات، منوها بالالتزام بتفعيل مضامين اتفاق 30 ابريل 2022، وخاصة ما يتعلق بالزيادة في الأجور وإخراج القوانين الإصلاحية المتعلقة بالإضراب والتقاعد، وبالروح التوافقية التي سادت أطوار الحوار الاجتماعي والوعي المتميز، الذي أظهرته مختلف مكوناته، بضرورة تحصين الوضع الاجتماعي الوطني وإقرار الإصلاحات الإستراتيجية، وخاصة في ما يتعلق بإصلاح منظومة التقاعد والتسريع بإخراج الإصلاح، في ظل الوضعية المأزومة، التي تعانيها والتي تهدد مجموع الطبقة العاملة بالمغرب. لابد من استحسان مخرجات الاتفاق الاجتماعي المتعلقة بالزيادة في الأجور وقيمتها المالية المهمة (ستفوق قيمتها المالية 20 مليار درهم)، والتي سيكون لها انعكاس واضح على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للموظفين، بالإضافة إلى تثمين الانخراط المهم لأرباب العمل في الزيادة في الحد الأدنى للأجور، سواء في القطاع الفلاحي أو الصناعي والتجاري، مع تثمين الإرادة الجماعية لمختلف مكونات الحوار الاجتماعي بضرورة إخراج قانون الإضراب إطارا تشريعيا يحترم الدستور والقوانين الدولية التي تحمي هذه الممارسة، وتقوية النسيج الاقتصادي الوطني وتحسين آليات التفاوض وحل النزاعات بما يحمي مصالح طرفي منظومة العمل، وما لذلك من أثر بالغ في ما يتعلق بتشجيع الاستثمار. ولقد سجلنا وجود تأخر في التوافق على إخراج قانون النقابات، باعتبارها الحاضنة الأساسية والشرعية لمختلف العاملين، وتحصين الشرعية التمثيلية لهذه المؤسسات وتكريس المعطى الديمقراطي داخلها، وجعلها قادرة على لعب أدوارها شريكا أساسيا في البناء الديمقراطي الوطني، خاصة في ظل ظهور بعض الاشكال الجديدة لتمثيل العاملين بدون أي سند قانون أو تأطير تنظيميي. مخاطر تعرقل الخطوات من المؤكد أن الاتفاق الذي خرجت به مكونات الحوار الاجتماعي في دورة أبريل 2024، شكل إطارا مرجعيا ذا أثر إيجابي جدا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، كرس عددا من المكتسبات المهمة لفائدة الشغيلة، والذي لا يمكن إلا الإشادة والتنويه به وبمخرجاته، لكن في الوقت نفسه فإن تنزيل مقتضيات هذا الاتفاق تحيط به مجموعة من المخاوف، التي قد تعصف به وقد تزيد من منسوب الاحتقان الاجتماعي. وفي هذا الصدد، ومساهمة من مرصد العمل الحكومي في إنجاح هذا الورش الإستراتيجي من زاوية مدنية بحثة، بعيدة عن أي اصطفاف سياسي، فإنه قدم ثلاثة مخاوف كبرى قد تعيق التطبيق السليم لهذا الاتفاق، هي المقاربات الانفرادية والإخلال بتوازن الحقوق والواجبات وتحميل تكلفة إصلاح منظومة التقاعد للعاملين. لابد من الإشراك والانفتاح حذر المرصد من مغبة إعمال مقاربات انفرادية في صياغة وتنزيل إصلاح منظومة التقاعد وقانون الإضراب، خارج منطق الإشراك والانفتاح على كل المكونات المعنية بالأمر، قد يوسع دائرة الرفض لهذه الإصلاحات ويزيد من مستويات الاحتقان ويكرس ضعف النقابات هيآت تمثيلية شرعية لعموم العاملين، ويدفع نحو هيمنة الأشكال الجديدة لتمثيل العاملين على المشهد الاجتماعي، ما قد يهدد تنزيل وتطبيق هذه الإصلاحات الإستراتيجية، فتوقيع اتفاق دورة أبريل 2024 لا يمكنه بأي شكل من الأشكال أن يشكل شيكا على بياض لتنزيل إصلاحات مصيرية بدون تبني مقاربة تشاركية، تزيد من تقوية موقع الشركاء المؤسساتيين داخل منظومة الحوار الاجتماعي، وتخليق الإجماع الوطني المطلوب لتمرير هذه الإصلاحات الإستراتيجية والاستعجالية. توازن الحقوق والواجبات إن طبيعة الإصلاحات التي تضمنها اتفاق جولة أبريل 2024، تمتاز بحساسية اجتماعية كبرى، يتوجب معها خلق شروط التوازن بين الحقوق والواجبات التي تتضمنها، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز التراكم الديمقراطي والحقوقي والمكتسبات العمالية، في صياغة هذه القوانين، وخاصة قانون الإضراب لارتباطه الوثيق بالجانب الحقوقي، فهذا القانون يجب أن يشكل منطلقا للتحفيز الإنتاجي على المستوى الاقتصادي، لا لتقييد الحريات النقابية، فهذا القانون لا يجب أن ينتصر لطرف على حساب طرف آخر، بل يجب أن يكرس لمنطق التوازن الديمقراطي، ما بين الحقوق والواجبات. تكلفة الإصلاح من المؤكد أن الإصلاحات التي تضمنها اتفاق جولة أبريل 2024، تحمل طابع الاستعجال، وخاصة ما يتعلق بمنظومة التقاعد، التي وصلت إلى مستويات خطيرة، لا تقبل أي تأخير أو تلكؤ في إنجاز الإصلاحات الضرورية، لكن تكلفة هذا الإصلاح لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحملها العاملون فقط، فمسؤولية ما وقع في منظومة التقاعد، يجب أن يتحملها الجميع بدون استثناء، فالحكومة مطالبة بإخراج إصلاح عادل اجتماعيا وماليا، وأن تبتعد عن المنطق الرائج حاليا "ما تعطيه الحكومة باليمين تأخذه بالشمال"، فتكلفة إصلاح التقاعد يجب أن تتحملها الحكومة والعاملون والمشغلون، في أفق إخراج إصلاح دائم ومتوازن ومقبول، من قبل الجميع . في سطور نائب رئيس مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني منسق البرامج داخل مرصد العمل الحكومي مستشار سابق في ديوان وزير الشغل والتكوين المهني مستشار في التشغيل داخل الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات.