الجزائريون رعايا سلاطين المغرب

الدكتور كلاب : نحن مستهدفون باستغلال دول صنيعة لأننا أمة تاريخية قال المؤرخ عبد الخالق كلاب إن تاريخ المغرب الضارب في القدم، وتأثيره في مجريات الأحداث الدولية، جعلاه مستهدفا من قبل قوى استعمارية، عبر خلق كيانات على الحدود وإثارة القلاقل والنزاعات. وبرر كلاب سر هذا الاستهداف بمنع المغرب من استعادة حدوده التاريخية والحقة، الممتدة شرقا وشمالا وجنوبا، ويبقى امتداد الإمبراطورية الموحدية مرجعا في ذلك، وهدف جميع سلاطين المغرب، والدليل أنهم كانوا يعتبرون الجزائريين رعاياهم، بعد أن بايعوهم في مناسبات عديدة. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار : مصطفى لطفي < أولا لا ننسى عندما نتحدث عن المغرب، نتحدث عن أمة جذورها ضاربة في التاريخ. لدينا علاقات جوار، سواء كانت كيانات سياسية أو مجالات، لم تنجح مجتمعاتها في بناء دول ذات سيادة. والمغرب عبر تاريخنا الطويل، كان دائما يتوسع في كل الاتجاهات، جنوبا وشرقا وشمالا، ولا يوقفنا إلا بحر الظلمات، أي المحيط الأطلسي، وهو ما يخلق لنا حزازات، فالمغربي عندما يتحدث عن الدولة، يضع الإمبراطوريتين المرابطية والموحدية نموذجا، بمعنى عندما تتعافى الدولة وتتجاوز أزماتها عبر التاريخ، يبقى هم المغاربة استرجاع ذلك الإرث الذي فقدناه. < هناك رسالة بعثها محمد الشيخ السعدي إلى السلطان العثماني سليمان القانوني، قال له فيها « سآتيك مصرا وسيكون قتالي معك عليها»، العديد لم يستوعبوا مضمون هذه الرسالة، اعتبروها نوعا من المزايدات من قبل السلطان المغربي، في حين أنه يتكلم بخلفية استعادة أمجاد الإمبراطورية المغربية منذ عهد الموحدين. وهذا الأمر، تكرر أيضا في عهد الدولة المرينية وذلك أن المؤرخ «المشرفي» الذي كان مقربا من السلطان أبي الحسن المريني، تحدث عن بيعة 50 ملكا بتونس لأبي الحسن، وأن ملوك مصر خافوا سطوته، وهذا يعني أن الدولة المغربية تضع المرابطين والموحدين مثال التوسع في كل الاتجاهات، وهو ما يخيف الجيران، خاصة أننا أمة تاريخية ونطالب بالحدود الحقة والحدود التاريخية، وهذا ما يقض مضجعهم. < هذا مفهوم غامض بكل صراحة، هل نعني بهما حدود الدولة المرابطية أو الموحدية أو السعدية أو العلوية في أقصى امتدادها، هناك من يحدد الحدود التاريخية في الصحراء الشرقية، لكن في الواقع الصحراء الجزائرية كاملة لأنها كانت مجالا مغربيا، لأن المغرب في عهد الإيالات العثمانية سواء في الجزائر وتونس وليبيا ومصر، كان المجال الصحراوي خاضعا له، ولدي من الإشارات ما يثبت ذلك. وبالتالي فالحديث عن الحدود الحقة أو التاريخية في الحقيقة غير واضح، لكن نتبعها من خلال إشارات توصل حدودنا إلى «تمبوكتو» بمالي، والدليل أن رحالة بولونيا اعتبرها ضمن حدود الولايات المغربية منذ عهد السعديين وإلى السلطان العلوي مولاي اليزيد، بل حتى «تودني» هي «أزوات» حاليا، كان سكانها في 1792، يرفعون الدعاء إلى أباطرة المغرب. المغرب باعتباره أمة مغربية، يدافع عن حدوده التاريخية والحدود الحقة، في المقابل فإن الدول الحديثة، الناتجة عن تقسيم استعماري، تدافع عن الحدود الاستعمارية، كما هو حال الجزائر، التي تعتبر المجال الذي خلقته فرنسا بشرقنا، هدية من فرنسا، وهذا الكلام قاله الرئيس الجزائري الراحل، أحمد بن بلة. < الأمم التاريخية، ومنها المغرب، دائما لديها فكرة التوسع، لاستعادة الإرث التاريخي والحدود الحقة، لكن ما يميزنا نحن، أن هذا التوسع ليس بالمفهوم الهجومي أو الاستعماري، كما يحاول البعض الترويج له، بل نحن فقط نريد استعادة أراضينا التاريخية. فكل الأمم التاريخية والعظيمة، تحضر لديها فكرة ضمان المجالات الحيوية، فمثلا فرنسا اليوم تسعى إلى تأمين أمنها الداخلي بالتوسع في مجالات أخرى خارج أوربا، بالحفاظ على علاقتها مع باقي مستعمراتها، وهو ما يضمن لها البقاء والاستمرارية، والأمر نفسه لبريطانيا، وهو الطموح نفسه الذي سعى إليه المغرب، عبر استعادة الإرث الذي أضعناه نتيجة الهجمة الاستعمارية الأوربية. < المغرب تبنى سياسة جديدة، وهي التوغل في إفريقيا، كأنه يريد استعادة إرث تاريخي ومزاحمة فرنسا في المجال، الذي سيطرت عليه في القرن 19، وهو ما أدى إلى أزمة عصفت بالعلاقات بينهما إلى اليوم، إذ في إفريقيا نجد بنوكا وشركات مغربية رائدة، بل إن سكان هذه الدول صاروا يكنون احتراما كبيرا للمغاربة، والدليل الحزن الشديد بعد إقصاء المنتخب المغربي من كأس إفريقيا بكوت ديفوار. الوجود المغربي في إفريقيا جنوب الصحراء ليس حديث اليوم، بل ما نقوم به هو إعادة ربط الصلة بتلك المجالات، التي ارتبطت بنا تاريخيا، من خلال القوافل الصحراوية، والتجار المغاربة، وهنا نتوقف عند الرحالة البولوني، الذي كان في ضيافة «القائد الريفي» بتطوان، فتحدث أنه في «سيكاسو» بغرب إفريقيا في حدود 1791 و1792، كان ينعقد سوق سنوي تحضره جميع دول غرب إفريقيا، وكان الحضور المغربي فيه متميزا ومهيمنا على تلك الدول. < نحن المغاربة توغلنا في إفريقيا باقتصادنا وأخلاقنا وقيمنا والحضور الروحي، والنتيجة حب وتقدير كبيران من الأفارقة للمغاربة، إلا أن رغبتنا في إحياء هذا الإرث التاريخي ستجعلنا في صدام قوى استعمارية تاريخية تسعى للسيطرة، إذ من أجل إيقاف مسارنا قامت بخلق كيانين وظيفيين، موريتانيا بالجنوب في 1962 والجزائر في الشرق، والهدف تطويق المغرب من كل الجوانب وإثارة أزمات ومشاكل حدودية، وهو ما أدخلنا في المسلسل الذي نعيشه اليوم. فعلا المغرب مستهدف من قوى كبرى، أما الجزائر وموريتانيا، ففي كل الأحوال هما دولتان خاضعتان لفرنسا، وعن طريقهما تضمن وجودها وأمنها، لهذا نحن مستهدفون لأننا أمة تاريخية، ومن هذا المنبر أدعو المغاربة الذين دخلوا في سجالات عقيمة مع الجزائريين، أن يكفوا، ويعمقوا البحث عن الأسباب الحقيقية في عداء الجزائر للمغرب، بدل تبادل السب والشتم. بيعة الجزائريين كان ملوك المغرب يعتبرون الجزائريين رعاياهم وأبواب المغرب مفتوحة لهم وهذه هي الحقيقة، فهم كلما ضاق بهم الحال يلجؤون إلى سلاطيننا فيحسنون وفادتهم، لأن المجال الجزائري قبل أن يكون خاضعا لاحتلال عثماني وفرنسي كان مغربيا، والجزائريون عندما يأتون إلى المغرب يلقون عناية خاصة، من قبل الشعب والسلطة لأننا تربية ملوك، فيكتشفون واقعا آخر غير تلك الصورة المقدمة لهم في وسائل الإعلام الجزائرية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. والدليل التاريخي على ذلك، أن الجزائريين كانوا ينتظرون أي احتقان مع العثمانيين لمبايعة سلاطين المغرب، إذ جاء في كتاب المؤرخ «الضعيف الرباطي»، أنه في 1805، «ورد كتاب السلطان على أهل الرباط أن أهل تلمسان، وفدوا بالبيعة على مولانا سليمان وأتوا مع مولاي العربي الدرقاوي، وفي الغد زين سوق الرباط وسلا وتحزموا للعب البارود وأخرجوا «الأنفاض» أي المدافع». فالجزائريون كان يعتبرون ملوك المغرب السلاطين الحقيقيين. ويقول المؤرخ نفسه أيضا في 1813، إن جل ممثلي الغرب الجزائري وفدوا على السلطان للبيعة بعد أن قتلوا «الترك»، وشهدت الرباط وسلا الاحتفالات نفسها، والأمر نفسه عندما دخلت فرنسا، إذ استنجد بالسلطان مولاي هشام، رؤساء وأهل الوجاهة الجزائريين، سائلين الدخول في إيالته».

الجزائريون رعايا سلاطين المغرب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سيدي عمار خارج اللائحة الإفريقية للوداد

كأس العرب مهددة بالإلغاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات