الإذاعي الذي جاء من عالم الغناء ونافس رموز الطرب عندما أطل أنور حكيم على الجمهور المغربي، نهاية الستينات، مطربا، توقع له كثيرون مستقبلا فنيا واعدا، سيما أن الفتى، آنذاك، كان يملك من المقومات الفنية ما يؤهله لاحتلال الصدارة رفقة كل من عبد الوهاب الدكالي ومحمد الحياني، وعبد الهادي بلخياط، إذ أن أنور حكيم يتمتع بخامة صوتية شبيهة إلى حد كبير ببلخياط، إلا أن عراقيل كثيرة انتصبت في وجهه حالت دون استمراره في مجال الغناء، فأثبت نفسه، عن جدارة، في مجال التنشيط الإذاعي لدرجة أن شهرة "أنور حكيم" مذيعا طغت على شهرته مطربا. في هذا الخاص تسافر بكم "الصباح" داخل محطات من هذا الصوت الذي أطرب، ومازال، المستمعين إذاعيا وغنائيا. إعداد: عزيز المجدوب ارتبط اسم "أنور حكيم" بحي عين الشق وإذاعته بالدار البيضاء، لكن قلة من تعرف أن أنور يتحدر من الحي المحمدي، حيث رأى النور لأول مرة سنة 1947، قبل أن تنتقل أسرته إلى سيدي عثمان سنوات قليلة بعد ذلك، ولم يأت الانتقال إلى عين الشق إلا سنة 1960. وقضى الطفل، أنور، فترة بمنزل جدته بدرب السلطان، إذ درس في البداية بمدرسة "سيدي محمد بن يوسف"، على حساب حزب الاستقلال عرفانا بجميل جدته التي كانت تؤوي بين الفينة والأخرى الفدائيين بمنزلها وتخبئهم عن أنظار الشرطة الفرنسية، عندما كانت تلاحقهم خلال فترة تصعيد الكفاح المسلح ضد الاستعمار. وتابع أنور حكيم دراسته بعد ذلك بثانويتي "الأزهر" و"الموحدين"، وكان شغوفا، في تلك المرحلة، بمطالعة كل ما تقع عليه يداه من كتب ومجلات وروايات. أنور حكيم الفنان بدأت مواهب أنور حكيم الفنية في الظهور، منذ مرحلة الصبا، حين كان يردد أغاني الحسين السلاوي، و أبدى بعدها تعلقا خاصا بأغاني الموسيقار أحمد البيضاوي، التي كان يحفظ جلها، ودفعه ولعه بالغناء إلى الالتحاق بالمعهد الموسيقي بالدار البيضاء خلال الستينات، على عهد مديره أندري ماريطون، إلى أن تخرج منه. وفي الفترة نفسها بدأ يتقدم إلى الغناء في مناسبات مختلفة بالملاهي الليلية وعلى خشبات المسرح والسهرات الخاصة، وأتيحت له الفرص ليشارك في برنامج "مواهب"، الذي كان يعده الأستاذ عبد النبي الجيراري، وأدى أغنيتين جديدتين من ألحان محمد رمزي (عازف كمان بجوق الدار البيضاء) بعنوان "مع الأيام" و"لما نشوفك نتفكر". وانتبه عبد النبي الجيراري بحسه الفني إلى أنه أمام موهبة غنائية تضاهي عمالقة الطرب المغربي في تلك المرحلة، فقرر التعامل مع الصوت الواعد، فقدم إليه أول أغنية في مساره سجلها رفقة الجوق الوطني سنة 1970، وهي قطعة "دعاء فلسطين" من كلمات الشاعر محمد الغربي. وانفتحت أبواب الشهرة بعد ذلك أمام المطرب الشاب أنور حكيم، فغنى من ألحان أشهر الملحنين المغاربة فتعامل مع عبد القادر الراشدي من خلال قطعة "وردة ف جنان"، أما إبراهيم العلمي فقدم له أغنيتين بعنوان "هذا سر الله" و"فتح ليك الورد"، أما عبد الرحيم السقاط فلحن له أغنية وطنية تحمل اسم "أرض وشباب". وغنى أنور حكيم من ألحان العابد زويتن ثماني أغنيات، أما الأغنية التي كانت بمثابة مفتاح شهرته فهي "الناعورة" التي لحنها محمد بنعبد السلام، إضافة إلى أغنيات أخرى مع ملحنين آخرين بينهم اللبناني جورج عبده والسوري دلال قدري، ويتضمن الريبيرتوار الغنائي لأنور حكيم أزيد من 65 أغنية، لحن بعضها بنفسه، وكانت آخر قطعة سجلها، إلى حدود اليوم، هي أغنية "أحكام الظروف"، من كلمات وألحان محمد الرياحي. أنور حكيم الإذاعي "1 يوليوز 1977" تاريخ لم ينسه أنور حكيم، وهو تاريخ أول فقرة إذاعية قدمها على أمواج إذاعة الدار البيضاء، حتى أن أنور يتذكر حرفيا أول جملة قالها خلف ميكروفون الإذاعة هي "هنا إذاعة المملكة المغربية بالدار البيضاء في برامجها الوطنية من الآن وإلى غاية الثالثة صباحا". علاقة أنور بالإذاعة ابتدأت سنوات قليلة قبل ذلك، عندما كان يقدم بعض الفقرات، الإذاعية بين الحين والآخر، ضمن برنامجين كان يعدهما الراحل مجد عبد الرحمان، بعنوان "رفيق الليل" و"في الأسبوع مرة"، بتشجيع من الأخير الذي يعتبره أنور أستاذه في مجال التنشيط الإذاعي. وحدث أن فوجئ أنور حكيم، ذات مرة، باتصال هاتفي من محمد مجدولي (مندوب وزارة الإعلام آنذاك) طلب منه الالتحاق بإذاعة الدار البيضاء، فعرض عليه مجدولي الاشتغال مذيعا رسميا بالإذاعة بعد أن اطمأن المسؤولون بالإذاعة المركزية بالرباط إلى مستواه. وسُرّ أنور بتعيينه في الإذاعة، سيما أن مشاكل كثيرة اعترضت مسيرته الفنية، ما جعله يفكر جديا في ترك الغناء، إلى أن أتيحت له الفرصة. رحلة مع النغم والإذاعة وهكذا بدأ مسار أنور مع التنشيط الإذاعي الذي تميز فيه بنبرة صوته الجهورية والدافئة في الآن نفسه، والتي زكاها بثقافة واسعة في مجال الفن والموسيقى وسبر أغوار سير أعلامها، مكنته من فرض اسمه ضمن أبرز الأسماء الإذاعية التي عرفها الإعلام السمعي المغربي لما بعد الاستقلال. ويعد برنامج "روائع النغم" أول برنامج إذاعي قدمه أنور حكيم، إضافة إلى برامج أخرى مثل "موسيقى الشعوب" و"أضواء المدينة" و"موعد" و"رحلة مع النغم"، إضافة إلى برنامج آخر بعنوان "قطوف دانية" كان يقدمه رفقة الإذاعية الراحلة آسية الشرايبي، والبرنامج ضمن سلسلة برامج كان يعدها الأديب المصري عبد الكريم محمد لفائدة الإذاعة المغربية، منها "حديث القرون" و"ملامح مغربية"، وكان يقدمها كل من مجد عبد الرحمان وآسية فردوس، قبل أن يتولى تقديمها أنور حكيم. وشكل أنور رفقة الراحلة آسية الشرايبي ثنائيا إذاعيا لامعا، إذ كانا يتناوبان على تقديم برامج ناجحة من قبيل "حديث الروح" و"أهلا بكم" إضافة إلى البرنامج الشهير "جسور وزهور" الذي ظلا يقدمانه معا طيلة عقد التسعينات إلى حين وفاة آسية سنة 99، وبقي أنور حكيم يقدم البرنامج إلى غاية 2005. ورغم الشهرة التي حققها أنور حكيم في مجال التنشيط الإذاعي، إلا أنه لم ينصف من الناحية الاجتماعية من طرف الإذاعة، على حد قوله، خاصة بعد أن أحيل على التقاعد وهو في قمة عطائه، ما جعله يلتحق بإذاعة "شذى إ ف م" الخاصة حيث واصل مسيرته الإذاعية على المنوال نفسه الذي ميزه مع الإذاعة الوطنية. ومن أشهر البرامج التي قدمها بهذه الإذاعة الخاصة برنامجا "شذى الفجر" و"أمسيات شذى"، الذي يعنى برواد الطرب المغربي والعربي. ولأنور حكيم اهتمامات أخرى إلى جانب التنشيط الإذاعي وهي اهتمامه بالثقافة والأدب فهو قارئ نهم، إضافة إلى أنه يكتب الشعر والقصة القصيرة، وفي أرشيفه الخاص ديوانان شعريان مخطوطان إضافة إلى مجموعة قصصية، وقد أخرج إلى حيز الوجود مؤلفه الأول "النغم الخالد" الذي خصصه للموسيقار الراحل أحمد البيضاوي، الذي يكن له أنور تقديرا خاصا ويعتبره الفنان رقم واحد في المغرب، إضافة إلى مؤلفات أخرى سترى النور قريبا، ضمنها حكيم خلاصة تجربته الإذاعية والفنية المتميزة.