مؤسس فرقة «الأخوة العربية» الذي عانق ميكروفون الإذاعة يعد الفنان الراحل عبد العظيم الشناوي واحدا من الفنانين المخضرمين الذين طبعوا مشهد التمثيل بالمغرب طيلة عقود، لدرجة أن جل مغاربة مرحلة ما بعد الاستقلال يعرفون قسمات وجهه وترنّ في آذانهم نبرة صوته الإذاعي المميز الذي وظفه في ما بعد لتأسيس مسار إعلامي حافل، بالموازاة مع سجله الفني الزاخر بعشرات المسرحيات والأعمال التلفزيونية والسينمائية. في هذا الخاص تستعيد "الصباح" جوانب من مسار هذا الفنان الذي كان عرابا لأجيال من الممثلين الذين تخرجوا من رحم تجربته المسرحية والإذاعية. إعداد: عزيز المجدوب في شقة صغيرة قريبة من سينما "كوليزي" بالبيضاء، اختار الراحل عبد العظيم الشناوي قضاء السنوات الأخيرة من عمره إلى حين وفاته صيف 2020، بعد أن أدى واجبه في الحياة تجاه الأبناء والبنات والأسرة الصغيرة، وأيضا بعد مسار مهني وفني امتد لعقود. ظلت هذه الشقة مفتوحة إلى آخر لحظة من عمره، في وجه "العادي والبادي" من أهل الفن والأدب والسياسة وحتى الصحافة. لم يكن يتبرم من زيارة أحد ويحرص على استقبال كل وافد على "الزاوية الشناوية" بابتسامته الهادئة وطبعه الأهدأ. كان ينتابه سرور كبير يرتسم على محياه الذي ظل محافظا على شبابه الدائم، كلما أثير نقاش جاد في حضرته، يكون طرفا مستمعا فيه أكثر منه متكلما، يلقي بين الفينة والأخرى بعبارات وجمل مقتضبة تتضمن عمقا يشي بأن صاحبها لم يلق بها إلا بعد أن أدارها في رأسه سبع مرات. قد لا يظهر لك فرق كبير بين عبد العظيم كما ألفه المغاربة على الركح أو على شاشة التلفزيون ثم الصوت الإذاعي الدافئ الذي سافروا على ضفافه أزيد من عقدين من الزمن، لا لشيء سوى لحرص الشناوي على الحفاظ على رزانته حتى في الجلسات الخاصة بشقته، لا فرق لديه بين حديث عاد أو تصريح صحافي، دائما يمارس رقابة ذاتية على كلماته وينتقيها بعناية. من المدينة إلى درب السلطان "في السنة نفسها التي أعلن فيها هتلر الحرب العالمية الثانية رأيت النور" هكذا كان يحدثنا الشناوي ضاحكا وهو ويشير إلى لحظة ميلاده سنة 1939، بالمدينة القديمة للدار البيضاء التي غادرتها أسرته وهو ما زال طفلا صغيرا في اتجاه درب الكرلوطي بدرب السلطان. كان المغرب، ومعه الدار البيضاء، في تلك الفترة يعيشان ظروفا اجتماعية وسياسية ومناخية صعبة، ولا يجد عبد العظيم الشناوي غضاضة في أن يذكر بأنه يتذكر "سنوات الهوفة" حين كان الناس يخرّون ميتين في الشوارع من فرط الجوع أو الأوبئة والجوائح التي كانت منتشرة آنذاك. الشناوي الذي ولد بالمدينة القديمة، ارتبط اسمه أكثر بدرب السلطان، الذي انتقل إليه وعمره لا يتجاوز الخامسة، وهناك تابع دراسته الابتدائية بمدرسة "محمد بن يوسف" الكائنة حاليا بزنقة الموناستير، ثم انتقل إلى مدرسة بوشعيب الأزموري بدرب الكبير، وبعدها مؤسسة "الأزهر". كانت الأجواء بالعاصمة الاقتصادية مشبعة بالحماس الوطني، الذي سعى العديد من رجال التعليم المغاربة إلى زرعه في أوساط التلاميذ. حتى الأعراس والمناسبات الخاصة كانت تستغل لتبليغ رسائل الوطنيين إلى عموم الناس، وكان يحيي فقراتها وينشطها شباب كانوا يلقبون بـ "وليدات الوطن"، يقدمون مجموعة من العروض، عبارة عن اسكيتشات هادفة بالمعايير التي كانت سائدة آنذاك. وفي إحدى المرات كان "وليدات الوطن" يحييون حفلا بدرب الكرلوطي، واقتضت التمثيلية أن يلعب أحدهم دور "خروف"، فاضطر آخر إلى الاستعانة بعبد العظيم، الذي كان حينها طفلا يلعب في الزقاق رفقة أترابه، وألبسوه جلد "خروف" ليكون بذلك أول دور يلعبه في حياته. وبعد حصول المغرب على الاستقلال كانت الحركة المسرحية في المغرب في بداية أوجها، وكانت فرق التمثيل منتشرة بجل الأحياء، إذ كان في البيضاء أزيد من 150 فرقة مسرحية. البشير لعلج... المدرسة الأولى وجد الشناوي نفسه، كما حكى ذلك في حديث سابق مع "الصباح"، منخرطا في خضم هذه الحركية وكان أن التحق بفرقة البشير لعلج، الذي أعجب بعبد العظيم بعد أن شاهد عرضا له من تأليفه بعنوان "الصيدلي"، قدمه رفقة فرقة مغمورة من درب السلطان. وقضى الشناوي رفقة البشير لعلج بضع سنوات، نهاية الخمسينات وبداية الستينات، قدم فيها عشرات العروض المسرحية بسينما "فيردان" أو "الكواكب"، إضافة إلى جولة مسرحية بتونس رفقة بعثة من الفنانين المغاربة، منهم أعضاء "جوق المتنوعات" وبعض الفنانين، منهم محمد فويتح والمعطي بنقاسم، إضافة إلى وردة الجزائرية والتونسي علي الرياحي. ويعتبر الشناوي المرحوم البشير لعلج أستاذه في المسرح ويحكي عن تأثره به في طريقة الكتابة المسرحية، إذ استفاد كثيرا من توجيهاته، خاصة أن لعلج كان غزير الإنتاج إذ كان يؤلف كل أسبوع تمثيلية متكاملة للإذاعة. أتيحت لعبد العظيم الشناوي فرصة للدراسة بمصر أواخر 1959، فاختار دراسة السينما، خاصة أن المسرح كان قد أخذ مبادئه بشكل تطبيقي من خلال عشرات العروض، التي قدمها رفقة فرقة "الكواكب" لصاحبها المرحوم البشير لعلج. وقضى الشناوي سنتين بالقاهرة حصل فيها على دبلوم في الإخراج، إلا أنه سرعان ما "أخفى" هذا الدبلوم مباشرة بعد عودته إلى المغرب، بعد أن تبين له أن ظروف النهضة السينمائية، التي كان ينشدها لم تكن متوفرة، في الوقت الذي كانت فيه الحركة المسرحية منتعشة. «الأخوة العربية».. المشتل المسرحي وهكذا جاء تأسيس فرقة "الأخوة العربية" سنة 1961، من طرف عبد العظيم الشناوي ومجموعة من رفاقه، وهي الفرقة التي ستعرف التحاق ثلة من الأسماء التي ستطبع مشهد التمثيل بالمغرب، منها عبد اللطيف هلال ومحمد مجد والزعري والداسوكين وعبد القادر لطفي وسعاد صابر وزهور السليماني وصلاح ديزان وخديجة مجاهد.... وقدمت فرقة "الأخوة العربية" أزيد من 18 مسرحية منها "الطائش" و"الحائرة" وانكسر الزجاج" جلها من تأليف وإخراج عبد العظيم الشناوي كما ذاع صيتها كثيرا في الأوساط البيضاوية خاصة، خلال مرحلة الستينات. خلال عقد السبعينات ارتبط عبد العظيم الشناوي بالتلفزيون من خلال العديد من البرامج الرائدة إذ قدم خلال موسمي 77 و78 و79 خمسة برامج منها "فواكه للإهداء" و"مع النجوم" و"نادي المنوعات" و"قناديل في شرفات الليل"... وستعرف 1980 منعطفا جديدا في مسار الفنان العظيم الشناوي الذي التحق بإذاعة "ميدي 1" التي أنشئت لتوها، وولج إليها الشناوي على أساس أن يقضي فيها سنتين، كما هو مسطر في العقد، فتحول الأمر إلى عشرين سنة، قدم فيها أزيد من 50 برنامجا إذاعيا أولها برنامج "الفن في العالم" وآخرها برنامج إذاعي وثائقي حول "الحرب العالمية الثانية". وانطوت مرحلة "ميدي 1" بالنسبة إلى عبد العظيم الشناوي بما لها من إيجابيات، بحكم أنه أثبت نفسه فيها صوتا إذاعيا، وسلبيات لأنها أبعدته عن خشبة المسرح والتمثيل مدة طويلة، قبل أن ينعتق من ربقة العمل الإذاعي والتزاماته المضنية، فعاد إلى التلفزيون مجددا عبر برنامج "حظك هذا المساء" على القناة الثانية، ثم إلى المسرح من خلال مسرحية استعراضية، من تأليف عبد العزيز الطاهري بعنوان "بين البارح واليوم". وشارك الراحل في مجموعة من الأفلام السينمائية والتلفزيونية الوطنية والأجنبية، من بينها دوره البطولي في فيلم "مأساة الأربعين ألف" (1982)، ومشاركته في فيلم "ألف شهر" (2003)، وفيلم "سميرة في الضيعة" (2008)، مع حضوره في العديد من الأفلام التلفزيونية، من قبيل: "على ضفة القلب" (2001)، و"الحب القاتل" (2004)، و"رشوة" (2012)، و"خيوط العنكبوت" (2014)، و"12 ساعة" (2017).