حـــكــــم العـــائــــلات

بوطيبة أستاذ الاقتصاد أكد أن حماية النظام البنكي لها ثمن يؤديه المواطن قال الدكتور علي بوطيبة، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، إنه رغم التضحيات التي قدمتها الدولة لحماية البنوك من المنافسة الشرسة، فإن البنوك أغفلت دورها الاجتماعي وساد منطق الربح والاحتكار بسبب غياب المنافسة، لهذا اختلت علاقة المواطنين بها، وهيمن منطق الإذعان. ورغم تدخل بنك المغرب لتصحيح هذه الاختلالات إلا أن منطق العائلة الذي يهيمن على قطاع البنوك يعرقل أي محاولة للإصلاح. وفي مايلي نص الحوار: يصف محللون العلاقة بين البنوك والمواطنين بعلاقة إذعان، هل هذا صحيح؟ > في المنطق الاقتصادي والمالي، للبنوك دور اجتماعي أكثر مما هو ربحي أو نفعي، إلا أنه على مستوى الواقع، نجد العكس، إذ يسود منطق الربح وتغيب المنافسة، فجميع البنوك تقدم الخدمات نفسها وسعر فائدة موحد، ما جعل علاقتها بالمواطنين وحتى الشركات يحكمها منطق الإذعان، بل ما يثير الاستغراب أن البنوك تحقق أرباحا قياسية حتى في أكبر الأزمات. ما سر النفوذ الذي تتمتع به البنوك ؟ > السبب يعود إلى أن الدولة قدمت تضحيات لحمايتها من المنافسة الشرسة، بحكم أن البنوك الوطنية ليست بحجم البنوك العالمية، إذ في النظام الرأسمالي، كلما كان حجم الشركة أكبر من حيث رقم معاملات والاستثمارات، كلما كانت أرباحها كبيرة وتكلفة الإنتاج أقل، كما أن النجاح في النظام الرأسمالي لا يتحقق دون عنصرين مهمين وهما المال والتكنولوجيا. وهذا له ارتباط بما حصل في 1971، عندما دخل النظام المالي الدولي، مرحلة مهمة، وهي نظام تعويم العملة، إذ تحولت إلى سلعة تخضع لقانون العرض والطلب، وصرنا أمام مرحلة التعامل مع الدولة "الجيومالية"، وبعدها سيشهد العالم أزمة البترول بسبب الحرب العربية الإسرائيلية، فظهرت لدينا دول، سيما في الخليج، تملك ودائع بنكية كثيرة جدا، وصار الدولار معروضا بكثرة، ما أثر على قيمته بشكل كبير. ولتصحيح الخلل تم فرض الضرائب على الودائع، إلا أنه في المقابل سيظهر ما يعرف بالملاذات الضريبية، سيما بإمارة موناكو ودول أخرى، التي تنافست في إنشاء بنوك عديدة واستقطاب الودائع، سيما الخليجية، والنتيجة وجود وفرة، دفع البنوك إلى تقديم قروض شبه مجانية بسبب منطق السوق. هل تضرر المغرب من هذا المستجد الدولي ؟ > ظل المغرب في 1980، وبالضبط في عهد الرئيس الأمريكي الراحل رولاند ريغين ورئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر، محافظا على العولمة المالية، أي لا وجود لحدود مالية بين الدول، إلا أن بنك المغرب سيتدخل وسيشن حملة شرسة لوقف اكتساح البنوك الدولية، التي كانت تقدم خدمات قليلة ومعدل فائدة قليلا، كما ساهمت في استثمارات كبيرة بسبب الأموال الوفيرة التي تحوزها، إذ وقف بنك مغرب سدا منيعا ضد هذا الاجتياح بمساعدة البنوك المغربية الوطنية، وفي 1984، صرنا أمام بنوك شمولية، ستساهم في إفلاس بعض البنوك الأجنبية بسبب السيولة، لتسارع البنوك المغربية في اقتنائها. وهنا سنكون أمام أقطاب، بنوك وطنية تابعة للدولة، وأخرى ستتم خوصصتها، من بينها البنك المغربي للتجارة الخارجية، كما ظهرت في تلك الفترة بنوك مغربية خالصة، كان أبرزها بنك الوفاء، إضافة إلى قطب أخير وفروع بعض البنوك العالمية. رغم هذه الحماية، هل نجحت البنوك في أداء دورها الاقتصادي والمالي؟ > قبل جائحة "كورونا"، ظهرت مشاكل لدى البنوك، بحكم أن المغرب شرع في إنجاز مشاريع كبرى من قبيل القطار الفائق السرعة "تي جي في"، تتطلب سيولة مالية كبيرة عجزت عن توفيرها، كما لم تراهن الدولة كثيرا على صندوق الإيداع والتدبير، فكانت الحاجة إلى إنشاء القطب المالي للبيضاء، والذي رغم تأخره، سيفتح الباب لعودة البنوك العالمية التي منعناها من الدخول للمغرب في سنوات الثمانينات من القرن الماضي، والمثير أنها ستعود أكثر قوة مقارنة مع تلك الحقبة، إذ سيسود منطق السوق ويفقد بنك المغرب دور الدركي، وبالتالي يبقى الحل أمام البنوك المغربية لمواجهة هذه المنافسة الشرسة الانخراط في تكتلات، إذ هناك حديث القطب المالي عن تقارب وتنسيق بين بنكين مغربيين كبيرين، أو مشاركة الدولة الخواص وتأسيس بنك وطني كبير، سيما وسط حديث عن استعداد بنوك أسيوية وخليجية، رأسمالها يقدر بمئات ملايير الدولارات لدخول سوق المغرب. بم تفسر علاقة الإذعان التي تجمع البنوك بالمواطنين والشركات؟ > حماية النظام البنكي المغربي لديها ثمن، صحيح أنه فسج المجال لبنك أجنبي بالاستثمار في المغرب، ستكون له انعكاسات ايجابية على المواطنين، إذ سيقدم خدمات وعروضا أفضل من البنوك المغربية، إلا أن المنطق هو أن يتحمل المغاربة التكاليف الباهظة لحماية هذا النظام، ففي التسعينات من القرن الماضي، قامت العديد من الدول في أمريكا اللاتينية، من بينها الأرجنتين، بمبادرة الانفتاح على الرأسمال الأجنبي، فأفلست جميع بنوكها، كما انهار النظام النقدي في لبنان، بعد أن تبنت النهج نفسه، لهذا يجب أن تتحلى البنوك الوطنية بروح المواطنة، لا أن يقتصر هدفها على الربح تحت مبرر التكلفة المالية العالية. هل يمكن لبنك المغرب التدخل لتصحيح المعادلة بين البنوك والمواطنين؟ > تدخلات بنك المغرب لا تتجاوز حدود العتاب للبنوك، والسبب أن الحماية التي وفرها لها، جعلتها تحتكر السوق المالي، إذ ليس هناك تنافس بينها، إذ تقدم الخدمات والفوائد نفسها تفرض منطقها على الجميع، ولا تكلف نفسها عناء تلبية رغبات وحاجيات المواطنين وطموحاتهم. والمثير أن هذا السلوك تورطت فيه حتى فروع البنوك الأجنبية، لهذا كما قلت، فإن حماية بنك المغرب للنظام النقدي، له كلفة سلبية على المواطنين، جعلتهم يستسلمون لتجاوزات وتعسفات البنوك. احتكار ما سر قوة البنوك المغربية وفرض سطوتها على الجميع؟ > البنوك بالمغرب يحكمها منطقة العائلة، صحيح أن هذا النظام مفيد للاقتصاد الوطني، لكن في حال لم يتم التحكم فيه يخرج عن السيطرة وتصبح العائلات تحتكر كل شيء وتفرض قانونها على المواطنين والدولة، وحتى إذا قررت الدولة في شخص بنك المغرب فرض عقوبات عليها بسبب تجاوزاتها، يكون هناك تضامن بين العائلات، ما سيزيد في تعقيد الوضع، لهذا كما قلت سابقا، يجب رفع شعار المواطنة. صحيح أن البنوك الوطنية لعبت دورا كبيرا في حماية الاقتصاد الوطني والنظام المالي، وساهمت في تكوين كفاءات كبيرة، والدليل وجود مغاربة في مناصب عليا في عدد من البنوك العالمية، لكن يجب أن تراعي الدور الاجتماعي أكثر من تحقيق الأرباح. * أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط أجرى الحوار : مصطفى لطفي

حـــكــــم العـــائــــلات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أرباح صافية ناهزت 1400 مليار

المغاربة والأبناك ... مشانق منصوبة للزبناء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات