أحداث غزة تهدد حلم سلام نشأ في فضاء توحيدي بأبو ظبي خلال اللحظة التي أعلن فيها عن تشييد "بيت العائلة الإبراهيمية"، في 2019، بجزيرة السعديات بأبو ظبي، قامت الدنيا ولم تقعد، ولم يكن مرور إعلان إطلاق مبنى يشكل تجمعا رمزيا للأديان السماوية الثلاثة دون أن يخلف ضجة. مضت أربع سنوات، جرت فيها مياه كثيرة تحت الجسر، كان فيها المهندس البريطاني/ الغاني، دافيد أدجاي، منهمكا في تنفيذ المشروع، الذي أسند له، وهو عبارة عن ثلاث بنايات مكعبة في فضاء متقارب، تمثل فضاءات العبادة عند المسلمين واليهود والمسيحيين، قبل أن يتم الافتتاح الرسمي للمكان في فبراير الماضي. وبعد أن اكتمل هذا الصرح التوحيدي، ارتفعت أصوات منددة بالمبادرة، ومشككة في نواياها وأبعادها، في الوقت الذي كان المشرفون عليها متمسكين بنبل مراميها، ومنطلقاتها المرتكزة على وثيقة "الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" التي وقعها ممثلو الديانات السماوية الثلاث، منهم البابا فرنسيس عن الكنيسة الكاثوليكية، والشيخ أحمد الطيب عن الجامع الأزهر ضمن المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي احتضنته دولة الإمارات العربية المتحدة، تحت رعاية سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ونظمه مجلس حكماء المسلمين، من أجل تفعيل الحوار والتعايش والتآخي بين البشر. ودخل "بيت العائلة الإبراهيمية" ضمن المدار السياحي بأرخبيل الجزر التابعة لإمارة أبو ظبي، حيث يحرص السياح من كل الأقطار والقارات، على تفقد هذه البناية التي فتحت في وجه الزائرين، لتعكس جانبا من مبادرات ظلت تهدف إلى البحث عن المشترك المنسي بين الديانات التوحيدية الثلاث التي ما زالت الحروب والتوترات في منطقة الشرق الأوسط تدار باسمها. في داخل "بيت العائلة الإبراهيمية" يتجاور كنيس موسى بن ميمون، الذي يحمل اسم شخصية يهودية ترمز إلى تقبل الآخر ونبذ التعصب، إلى جانب كنيسة القديس فرنسيس، ومسجد الشيخ أحمد الطيب، وكل فضاء منها يعكس خصوصية كل ديانة توحيدية على حدة، وتؤدى فيها الشعائر والصلوات في وقتها، وفي الوقت نفسه يحتوي الفضاء على عناصر أخرى ترمز إلى الأرضية المشتركة التي انطلقت منها هاته الديانات. واليوم تصمد هذه البناية برمزيتها وسط التطورات الجديدة التي تعيشها منطقة غزة، وتجدد الصراع العربي الإسرائيلي في أبشع صورة، متمثلة في المجازر والإبادات الجماعية للمدنيين والأطفال والنساء والشيوخ، تحت غطاء الاستيطان والتعصب الديني الذي ظل مثل جمرة خابية تحت الرماد، توقد في كل لحظة لنسف كل مبادرات التقارب، وسبل البحث عن العيش المشترك. تبدو ملامح الأسى والحسرة على وجوه معظم زوار المكان وهم يطوفون في أرجائه، وهم يستعيدون فظاعات ما يرتكب اليوم من جرائم بين أبناء "العائلة الإبراهيمية"، وكأنهم يتساءلون: هل يعقل أن يفرز الهدوء والسكينة اللذان يلفان أماكن العبادة كل هذه النيران التي يوقدها التعصب والحقد الأعمى باسم الاختلاف في المعتقد؟. عزيز المجدوب (موفد "الصباح" إلى أبو ظبي)