دلالات زيارة قيادي من «بوليساريو» إلى العاصمة الجزائرية بقلم: الفاضل الرقيبي أثارت زيارة أحد قياديي "بوليساريو"، المدعو حمة سلامة، إلى الجزائر العاصمة، جدلا واسعا داخل الأوساط القيادية في الرابوني، خصوصا أنها تأتي في ظرف حساس جدا يمر به التنظيم. فلم يكتف حمة سلامة بلقاء رئيس البرلمان الجزائري بل أتبعه بلقاءات فردية وجماعية مع لفيف من الوزراء والقيادات الأمنية في الحكومة الجزائرية مرفوقا بمساعديه ساليما الساخي والبشير حله اللذين أطلقا منذ شهر تقريبا موقع "بوليساريو 24" والذي فيما يظهر أنه موقع للترويج لحمة سلامة وتغطية نشاطاته خارج وداخل المخيمات، ولم يعد الجدل محصورا في الزيارة وتوقيتها بل تعداهما إلى تشكيلة الوفد وتعاطي الإعلام الجزائري الرسمي مع الزيارة، فهل كانت الزيارة ضوءا أخضر جزائريا للبدء في التخلي عن إبراهيم غالي؟ لفهم تعقيدات المشهد في بوليساريو ما بعد محمد عبد العزيز يجب أولا الإشارة إلى أن حمة سلامة المولود سنة 1960 بمنطقة "لعكد" التابعة إداريا لولاية تندوف الجزائرية والمنتمي لقبيلة الرقيبات أولاد داود، كان أبرز المرشحين لتولي زعامة تنظيم "بوليساريو" في 2016 قبل أن تحول ترتيبات جزائرية خاصة دون ذلك، حيث أوحى ضباط ثكنة بن عكنون لقائد الجيش الجزائري آنذاك الفريق أحمد قايد صالح بأن تفاهة ومجون ابراهيم غالي سيجعلان منه أداة طيعة لتنفيذ مخططات الجيش الجزائري في المنطقة، وهو ما تم بالفعل إذ تولى عدد من صغار ضباط القطاع العملياتي بتندوف تسيير الأمور بالرابوني حيث بدؤوا من الوهلة الأولى بترتيب شراكات مع كوادر "بوليساريو" المشرفين على شبكات تهريب المخدرات والمحروقات والمساعدات الإنسانية وكذلك التنقيب عن الذهب، وهو ما أدى إلى تحويل المخيمات إلى بؤرة إجرامية تنشط فيها ميليشيات قبلية تتلقى أوامرها مباشرة من قطاع تندوف العسكري الذي عمد إلى تعيين الجزائرية مريم بنت احمادة في منصب ما يسمى "وزارة الداخلية". الانفلات الأمني بالمخيمات وتنامي حركات الاحتجاج بها وكذلك هزائم "بوليساريو" العسكرية والدبلوماسية التي أصبحت حديث الصحراويين على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تفاقم التناحر بين قيادات بوليساريو على جمع الأموال خلال عهدة ابراهيم غالي، زد على ذلك فضائح هذا الأخير خصوصا مطاردته قضائيا لارتكابه جرائم إبادة وتعذيب واغتصاب، جعلت منه كبش الفداء المثالي الذي ستمكن إزاحته جنرالات الجزائر من إعادة محاولاتهم الفاشلة لبث الروح في هيكل هذا التنظيم المنتهي الصلاحية، وهو ما جعل البحث عن خليفة له ولو مؤقتا من الأمور المستعجلة في انتظار أن يشتد عود لحبيب محمد عبد العزيز، نجل زعيم "بوليساريو" السابق. وفي هذا الإطار فقد أعادت زيارة حمة سلامة، خلال الأسبوع الفارط إلى العاصمة الجزائرية من جديد النقاش حول تعيينه زعيما جديدا للرابوني، خصوصا بعد أن التقى بشخصيات وازنة في المشهد السياسي الجزائري كرئيس مجلس الأمة صالح غوجيل ورئيس البرلمان إبراهيم بوغالي وثمانية وزراء آخرين كل على حدة، ناهيك عن عقده جلسات مغلقة مع رئيس الحرس الجمهوري الفريق بن علي وبعض من ضباط لاستخبارات الجزائرية في ثكنة بن عكنون، وهو ما يعني أن الزيارة لم تكن روتينية، خصوصا إذا أخذنا بالاعتبار تغطية الإعلام الجزائري الرسمي والخاص لهذه الزيارة بإسهاب كبير، إذ سلط الضوء على دور حمة سلامة ومسيرته في "بوليساريو" لدرجة أن القناة الجزائرية الثالثة أعدت شريطا من سبع دقائق للحديث عنه، وهو ما فهم منه أن الأمر يتعلق بمبادرة جزائرية لتهيئة المناخ أمام الرجل لتولي زعامة الجبهة. أما عن موقف إبراهيم غالي ومحيطه من هذه الزيارة فقد خيم عليهم صمت القبور و ظهر إبراهيم غالي في محاولة يائسة للتشويش على هذه الزيارة من خلال إعلانه عن تدشين قاعدة عسكرية جديدة على التراب الجزائري حملت اسم "13 نونبر" قالت صفحات تابعه له إنها تأتي تخليدا للذكرى الثالثة لخروج بوليساريو من وقف إطلاق النار في مشهد هزلي سخر منه رواد مواقع التواصل الاجتماعي، على اعتبار أن الرجل بات يبحث عن أي صورة مهما كانت مناسبتها لإبقاء اسمه في العناوين الرئيسة لمختلف الأحداث في المخيمات وإقصاء منافسيه من أجهزة إعلام التنظيم كما كان الحال مع حمة سلامة، بعدما أعطى تعليماته لولد لعبيد بعدم تغطية زيارته للجزائر من قبل التلفزيون والإذاعة التابعين له، بينما اكتفت وكالة أنباء "بوليساريو" بنشر خبر من خمسة أسطر عن الزيارة وصورتها على أنها مجرد توأمة بين برلمان التنظيم ونظيره الجزائري. واعتبر مراقبون للوضع في المخيم أن الزيارة قد تفاقم الأزمة الداخلية التي تعانيها "بوليساريو" أصلا، لأنها قد أفصحت عن رفض جزائري للاستمرار في دعم نسخة ممسوخة من "بوليساريو" بقيادة العجوز غالي الذي باتت أيامه معدودة على رأس هذا التنظيم وما الخطوات الجزائرية في دعم حمة سلامة إلا تسريع لمخطط كان موضوعا أصلا على طاولة جنرالات زرالدة.