مرتفقون حائرون أمام أخطاء طبية قاتلة و»البيع والشراء» أمام أعين الإدارة مشاكل بالجملة يتخبط فيها مستشفى ابن رشد، تزيد من حيرة المرتفقين والموظفين، ورغم أن بعضها خرج إلى العلن وأبلغ به المسؤولون، بل وصل حد وضع النيابة العامة يدها عليه، فإن الصمت المطبق، أصبح منهجية لطي الملفات عبر تركها تتلاشى بفعل آلية النسيان، انسجاما مع مقولة "كم حاجة قضيناها بتركها"، وتبدو الجدية إطارا لتقويم العمل الإداري والصحي، مغيبة، سيما بعد أن اكتفت الإدارة في آخر خرجاتها بمذكرة صغيرة، للتغطية عن فساد كبير، يكتوي بنيرانه المرضى وذووهم، ويؤدون من أجله مبالغ خارج القانون... إنجاز: المصطفى صفر آخر ما شهده مستشفى ابن رشد، إخراج شاب تعرض لحادثة سير، وأصيب في الرأس، دون شهادة المغادرة، فرغم أنه أمضى يومين في الإنعاش بـ 33 ونقل إلى الـ 11، بمصلحة جراحة الدماغ والأعصاب، أصرت الطبيبة المعالجة على إخراجه، وعندما استفسر ذوو المريض عن السبب، سيما أنهم يتحدرون من ضواحي بني ملال والمريض مازال لا يقوى على الحركة، أمرتهم الطبيبة برعايته في المنزل، منبهة إياهم إلى أن الرعاية "مكيناش هنا"، ما دفعهم إلى تأجير سيارة إسعاف لنقله إلى ضاحية بني ملال حيث بيت والديه. صورة أخرى من صور ما يقع بالمستشفى، وقد تكون الطبيبة مصيبة ومحقة، في ما فاهت به لذوي المرضى، لكنها صورة تنبئ عن واقع مرير بأكبر مستشفيات المملكة. قسم جراحة الدماغ، نال نصيبا مهما من الشكايات، ولم تتحرك الوزارة، بل كانت في كل مرة تهادن وتترك الأمور تسير على حالها. تذكر «فيسبوكي» نشر الحبيب حاجي، المحامي والفاعل الحقوقي، أخيرا، تدوينة على جداره بحسابه الفيسبوكي يلخص فيها مآل التشكي، وهي التدوينة التي حصدت تعليقات ومشاركات، وجاء في التدوينة: "لازالت شكايتا جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان بشأن جراح الدماغ والأعصاب بمشتشفى (موريزكو) بالبيضاء بشأن القتل....تراوحان مكانهما". الجمعية الحقوقية نفسها كانت وراء العديد من الشكايات التي توصلت بها الإدارة والوزارة الوصية، وحتى النيابة العامة، إلا أن تلك الشكايات لم تلق التتبع الإداري، ولم تنتج أي أثر على مستوى الوزارة الوصية، رغم أنها تدق ناقوس الخطر، وتشير إلى اختلالات تتزايد يوما بعد يوم. أما على مستوى النيابة العامة فإن الأبحاث التي بوشرت مازالت لم تفض إلى نتيجة رغم أخذها وقتا كافيا. قتل مرضى أم أخطاء؟ في مارس 2022 أصدرت جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان، بيانا بشأن وفيات مستشفى ابن رشد، أعلنت فيه متابعتها لموضوع شكايات عدد من ذوي ضحايا الارتفاع المتزايد للوفيات ومعدل الإماتة (الموت بسبب العمليات الجراحية) الناتجة عن أخطاء طبية، من قبل طبيب حددت اسمه في البيان نفسه، وأشارت إلى أنه رئيس مصلحة جراحة الدماغ والأعصاب، موضحة أن نسبة الوفيات بلغت أكثر من 50 في المائة. وأوضحت الجمعية أنه في إطار مهامها وحماية للحق في الحياة المكفول دستوريا، تقدمت الجمعية بشكاية إلى وزارة الصحة وأخرى للنيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالبيضاء، أحيلت على نظيرتها بالمحكمة الزجرية عين السبع، في إطار تحديد المسؤوليات وربط المسؤولية بالمحاسبة، لكنها فوجئت بأنه لأكثر من سنة لم يتم اتخاذ أي إجراء فيها ،ولازالت تراوح مكانها في إطار أبحاث إدارية وجنائية يشوبها التردد وعدم الفعالية، ودون إخبار الجمعية بمآل الشكايات رغم متابعتها لها، ورغم خطورة وقائع ومضامين الشكايات، ما كان يستدعي استنفار أجهزة البحث والتحقيق سواء من قبل الوزارة أو النيابة العامة. وطالبت الجمعية وزارة الصحة ورئاسة النيابة العامة، كل في مجال اختصاصه، باتخاذ إجراءات قانونية مستعجلة في الموضوع لحماية الحق في الحياة ومساءلة الفاعل، كما أعلنت عزمها عن تنظيم احتجاج أمام المستشفى والمحكمة الزجرية تنديدا بالمس بالحياة وبالتماطل في تفعيل إجراءات التحقيق حسب المعطيات الواردة في الشكاية، ورفضا لسياسة الإفلات من العقاب. تماطل يزيد عدد الضحايا اكتملت السنة ونصف السنة على بيان مارس 2022 للجمعية التي تبنت الموضوع، دون أن تتخذ أي إجراءات جديدة، بل ظل الطبيب في منصبه وعاود الأفعال نفسها بتسجيل وفيات غامضة بعد إنهاء العمليات الجراحية، آخرها سجلت في الأسبوع الأخير من غشت الماضي، أي قبل أسبوعين فقط، إذ توفيت شابة بعد إجرائها عملية في الدماغ بيوم واحد، وقبلها بيومين سجلت وفاة أخرى بعد عملية مماثلة أجريت بالمصلحة ذاتها ومن قبل الطبيب نفسه. ورجحت مصادر متطابقة أن تكون الأخطاء الطبية نفسها وراء الوفاتين، مشيرة إلى أن الفحوصات التي أجريت للضحيتين الجديدتين، أظهرت أن الحالتين مماثلتان لتلك التي كانت موضوع شكايات إلى وزارة الصحة والنيابة العامة، من أجل فتح تحقيق واتخاذ التدابير اللازمة لوقف نزيف الوفيات، دون جدوى. مسار قضائي متعثر سبق للمصلحة التي شهدت الوفيات، أن كانت موضوع أبحاث قضائية، توقفت فجأة دون الوصول إلى النتائج، بعد أن ازدادت الشكوك حول وقائع الوفيات التي تتم بعد إجراء عمليات جراحية مرتبطة بالدماغ. وعاودت الجمعية المشتكية التذكير بمطالبها أكثر من مرة، سواء أمام النيابة العامة أو أمام المصالح المركزية بوزارة الصحة، إلا أن ذلك لم يجد جوابا، سيما مع استمرار الارتفاع المطرد للوفيات، بمعدل إماتة بلغ وفاة كل أسبوع، وطالبت في الآن نفسه بـالإسراع بمساءلة الطبيب المسؤول بجرائم القتل الخطأ. وتوقفت الأبحاث القضائية في وقت حساس بعد أن تقدمت الجمعية بشاهد وهو طبيب، يمكنه الإفادة وإعطاء صورة أوضح عما يقع للمرضى، وعن أسباب وفاتهم، وما إذا كانت بسبب تراكم الأخطاء أم أنها مسألة عادية تدخل في إطار مخاطر تلك العمليات؟ وينتظر أن ينطلق الموسم الجديد بالإيقاع نفسه، سيما أن الجمعية مصممة على الذهاب بعيدا في هذا الموضوع الحساس والمهم، سيما أن الإدارة أدارت ظهرها ولم تتخذ أي إجراءات استعجالية إدارية لوقف مسلسل الوفيات، أو حتى اتخاذ احترازات مبنية على الشك إلى حين انتهاء البحث القضائي، نظير ما يقع في إطارات أخرى، التي تعمل على إبعاد المشكوك في أمره إلى حين التثبت. مساومات لعلاج الكسور مستشفى ابن رشد الذي يعد أكبر مستشفيات العاصمة الاقتصادية بل والمملكة، يعج بمشاكل مختلفة، ويعاني المرضى وذووهم من أجل الحصول على العلاج، بل يصطدمون في أحيان أخرى بواقع البيع والشراء دون أن يقدروا على تجاوزه، فاستغلال الحالة النفسية والرغبة في العلاج، يدفع المرتفق إلى الخضوع لما يطلب منه، نظير ما يقع في مصلحة العظام. في 11 غشت 2023، أي قبل شهر فقط، أصدر مدير مستشفى ابن رشد، تنبيها مستعجلا عبارة عن رسالة موجهة إلى رئيس مصلحة العظام، يعترف فيه بوجود بيع وشراء، واستغلال المرضى لتوجيههم إلى خارج المستشفى لشراء أدوات ترميم العظام، الشيء المخالف لما يجري به العمل. واعتبر المتتبعون رسالة المدير، كارثية وغير مستساغة سيما أنها تضمنت جرائم، عوض اتخاذ القرار المناسب فيها بالإحالة على المجلس التأديبي أو القضاء، بادر إلى تبليغ رئيس القسم ما يعد تسترا على أفعال تدخل في إطار الممنوع. وطالبت رسالة المدير، الأطباء في مصلحة العظام، بالكف عن إعطاء المرضى وذويهم وصفات لاقتناء أدوات تقويم الكسور وإجبارهم باقتنائها من شركة خاصة توجد خارج المستشفى، مضيفا أنه عاين ذلك، وأن السلوك يخرق البروتوكول المعمول به داخل المستشفى، باستعمال أدوات تقويم الكسور المعتمدة من المستشفى والتي توفرها الإدارة. وأمرت بالامتناع عن وصف أدوات حديدية للمرضى والزامهم باقتنائها من خارج المستشفى، وحرضت المسؤولين عن التمريض بالمصلحة على مراقبة الأدوات وعدم قبول المقتناة من الخارج، واعداد تقارير يومية عما يروج من بيع وشراء في تلك المعدات. ورغم التنبيه لم تتوقف عملية البيع والشراء، إذ مازال المرضى يجبرون على اقتناء تلك المعدات من شركة بعينها، بناء على وصفات يصدرها الطبيب المشرف، إذ لم تقم الإدارة بالبحث في سجلات المرضى والتأكد من الوصفات التي صرفت للمصابين بالكسور، والتي تضم أدوات غير معتمدة من الإدارة واقتناؤها يتم خارج الضوابط القانونية، وفيه شكوك تتعلق بتواطؤ الشركات الخارجية مع أطباء، للاستفادة من هامش الربح، ما يفرض إعمال الزجر وربط المسؤولية بالمحاسبة، في حال تطبيق الجدية التي نادى بها عاهل البلاد. ويبدو أن مشاكل مستشفى ابن رشد ستزداد وتتضاعف، طالما أن أسلوب "الجدية" في التعاطي مع الاختلالات وتطبيق القانون في الوقت المنساب، مازالا بعيدي المنال.