هزات ارتدادية فاقمت احتلال الحدائق خوفا من الانهيارات وحكايات أسر هربت من منازل جدرانها متشققة امتلأت حدائق تارودانت، وبعض ساحاتها بخيام، بعضها مصنوع من أقمشة وأغطية، وأخرى صغيرة لا تتسع إلا لفرد واحد، بينما أفراد أسر كبيرة، عمدوا إلى استغلال مساحة أكبر، وشدوا قطع الثوب ببعضها مع الشجر والسياج، فيما آخرون اكتفوا بأفرشة يأتون بها في المساء للنوم عليها تحت النجوم، ويحملونها بعد شروق الشمس ليغادروا المخيم. أغلب الوافدين إلى هذه الحدائق والساحات ينتمون إلى أحياء داخل السور المحيط بالمدينة، وهي أحياء قديمة، تعرضت بعض منازلها لتشققات، فدب الهلع في قلوب سكانها، وزادته إشاعات مواقع التواصل حدة حول ارتدادات جديدة وزلزال أكثر قوة. المشاهد ظلت متشابهة بالساحات والحدائق إلى حدود ليلة الجمعة الماضي. المصطفى صفر - تصوير: عبد اللطيف مفيق (موفدا الصباح إلى تارودانت) حين ضرب الزلزال إقليم الحوز وتارودانت الشمالية، اهتزت تارودانت، كباقي المدن التي شعر سكانها بحركية الأرض، فلاذت بعض الأسر بأماكن منبسطة ضمنها حدائق، لاتقاء شر الانهيار. توافد تدريجي في اليوم الموالي، شرع السكان في العودة إلى منازلهم، بينما ظل بعضهم ينتظر حلول المساء لحمل الأمتعة والتوجه للمبيت في الحدائق والساحات، ومغادرة المخيمات في صبيحة اليوم الموالي عند إشراقة الشمس، إلا أن العدد كان ضئيلا. لكن مع تزايد تحذيرات مواقع التواصل، شرع العدد في التزايد، ليبلغ ذروته الخميس الماضي بعد أن أيقظت هزة ارتدادية الرودانيين صبيحة اليوم نفسه، حوالي الساعة السابعة إلا بضع دقائق، وهي هزة حركت الأبواب والجدران، فأثارت هلعا، قاد إلى خروج الناس من منازلهم، واحتلال الحدائق ونصب الخيام أو ما يشبهها بالاعتماد على الأغطية والأقمشة، ليصبح المخيم قارا، يقضي فيه كبار السن والصغار، يومهم، بينما يغادره الأجراء والمياومون في الصباح، وتزوره بين الفينة والأخرى عناصر المنطقة الأمنية لتارودانت، لتراقب من بعيد ودون الولوج إليه، إذ لم تسجل أي شكاية حول سرقة أو اعتداء، ورغم ذلك يتم التركيز على الظهور الأمني عبر جولات للشعور بالاطمئنان. «مخيم» إبراهيم الروداني امتلأت المساحة الكبيرة لحديقة إبراهيم الروداني المتاخمة لعمالة تارودانت عن آخرها بالأسر، بعضها يقيم في خيمة متكاملة وآخرون شيدوها من أغطية. أسر بكاملها استقرت في هذا الفضاء، المشيد في ثلاثينات القرن الماضي، والمصنف منذ 2004 تراثا وطنيا بموجب ظهير صدر بتاريخ 20 ماي من السنة نفسها، لما يحتويه من نباتات من فصائل متنوعة. كل أسرة تستغل حيزا، وتقيم بجوارها أسر أخرى، قد تكون من الجيران، أو وافدة من حي آخر، فالإقبال المتزايد على الإقامة المؤقتة بهذا المخيم الكبير الذي يحيط به شارعان، ولا يبعد من إحدى جهاته عن مقر البلدية، وله عدة مداخل. زهرة، امرأة في الأربعين من عمرها، روت لـ "الصباح" أنها قدمت وابنها الوحيد، منذ الاثنين الماضي، إلى الحديقة من حي عين مديوة، بعد أن رأت الناس قد لجؤوا إليها، خوفا من انهيار منازلهم. وتؤكد أنها تكتري غرفة في منزل مشيد من طين وحجر، تعرض للتصدع، مضيفة أن ابنها يعاني التوحد وتشتغل بين الحين والآخر، كما يساعدها محسنون في حاجيات ابنها البالغ من العمر 16 سنة والذي يعاني داء الصرع. كانت في البداية، حسب تصريحاتها، تأتي في المساء وتغادر صباحا إلا أن الهزة التي حدثت الخميس الماضي، دفعتها إلى الاستقرار، حيث تقضي يومها وليلها بالحديقة، ولا تبارحها إلا لجلب حاجيات أو لتفقد غرفتها. الخيام تقع قرب البلدية، وهو ما يدفع اللاجئين إلى الحديقة لقضاء حاجاتهم في مراحيض البلدية، إذ حسب المختار، فإن المرافق الصحية للبلدية مفتوحة من حسن الحظ، في وجه الموجودين بحديقة إبراهيم الروداني، وإلا انتشرت الروائح الكريهة بأركان الحديقة وأزكمت أنوف المقيمين بها. المختار، أيضا، من السكان الهاربين من جدران بيوتهم، والذين أصبحوا يخشون أن تنهار عليهم بسبب الهزات الأرضية، ويقيم في خيمة من خمسة أمتار عرضا وأربعة طولا رفقة ابنيه وزوجته وشقيقتها وابنيها، ويطهون داخلها وجباتهم اليومية. أما إيجة، والتي تجاوز عمرها السبعين فقد أتت من حي تودجنت، بسبب تصدع بنيان منزلها، تقيم رفقة ابنها وزوجته، وتقضي يومها بالحديقة تتجول بين كراسيها. الإنارة بالمخيم تقتصر على الإضاءة التي توفرها مصابيح الحديقة، والناس يقضون أوقاتهم خارج الخيمة، إذ لا ينامون إلا في وقت متأخر. الخوف من الهزات الارتدادية دفع حليمة، وهي من قاطنات حي بمنطقة فرق الحباب، أن تتجه إلى الحديقة، ورافقت أربع من جاراتها، ويقضين اليوم كله بالحديقة، بعد أن تعرضت مساكنهن لتصدعات أصبحت كابوسا بالنسبة إليهم، وتروي أن السلطات لم تعاين بعد الشقوق ومدى صلاحية المنزل للإيواء. حكايات الوافدين إلى حديقة إبراهيم الروداني، للإقامة بها مؤقتا إلى حين، تتشابه، فالخوف من انهيار المنزل، أو مغادرة الجيران للحي، أو التعاطف معهم بمرافقتهم، كلها قواسم مشتركة بين المقيمين بين الأشجار. كسكس وابتسامة اقتربت "الصباح" أكثر، واستجوبت المقيمين في ساحة 20 غشت، فتوحدت أسباب الحلول بهذا المكان، لكن المقيمين لاموا في الآن نفسه إهمال المسؤولين للمراحيض العمومية الموجودة جانب السور التاريخي، معتبرين أنها في المهرجانات تكون مجهزة ومربوطة بالمياه، إلا أنها في هذه الفترة العصيبة تعاني بسبب قطع الماء، ما دفع إلى الابتعاد عنها والاستعاضة بقضاء الحاجة جنب السور التاريخي. في خيمة منصوبة بالأقمشة، كانت امرأة وحيدة تطهو الكسكس، الإناء فوق النار والخضر موضوعة في آنية، ما إن سئلت إن كان بالإمكان مشاركتها الغذاء بعد الصلاة، حتى ابتسمت مجيبة بالترحيب. رغم المعاناة والخوف والهلع المسيطرين، مازالت الابتسامة تعلو محيا الوافدين على مختلف الحدائق، والأطفال يلعبون. روت فاطمة أنها تقيم رفقة زوجها ووالديه وابنيها في هذه الخيمة، وأكدت أن منهم من خرج قبل قليل، ومكثت رفقة والدة زوجها، التي كانت تجلس في زاوية من الخيمة الضيقة. أسباب اللجوء إلى الحديقة كانت مشابهة للحكايات التي رواها عدد من أفراد الأسر المنتشرة في هذا الفضاء، بمختلف الأحياء الموجودة داخل السور التاريخي، التصدع أو الخوف من الانهيار. تتمنى فاطمة أن تهتم السلطات بالأسر وأن تعاين البنايات وتتأكد من مدى صلاحيتها لإيوائها، خصوصا أن أغلبها قديم ومبني بالطين والحجر، وإن لم تنهر مع الهزات، فإن الأمطار قد تسبب في انهيارها بفعل تسرب المياه عبر التصدعات والشقوق. الزلزال الذي ضرب الحوز وتارودانت الشمالية، خلف أضرارا بمركز تارودانت، إذ ظهرت شقوق خطيرة على السور التاريخي مهددة بانهيار أجزاء منه، سيما بالقرب من العمالة، حيث وضعت حواجز لإبعاد المارة عن الخطر، كما أن منازل بالمدينة العتيقة، ظهرت بها تصدعات خطيرة دفعت إلى إخلائها، ما يحتم الإسراع باتخاذ التدابير اللازمة قبل وقوع الكوارث. باب الحجر و20 غشت ساحتان كبيرتان الأولى توجد مقابل الباشوية، ومباشرة بعد الخروج من البوابة التي تخترق السور التاريخي لتارودانت، والمسماة "باب الحجر"، وتحتل جزءا كبيرا يتميز بمحاذاته للسور التاريخي، خيام مختلفة الأشكال والأنواع وأقمشة منصوبة، وسيارات متراصة. وتظل الخيم منصوبة طيلة اليوم وتغطي الساحة التاريخية بأكملها، كما تنزل بها نهارا بعض الأسر، كأنها تحرس المكان، والأطفال يلعبون في فضاءاتها، لكنها مع المساء تتحول إلى ما يشبه السوق الأسبوعي، حديث وشجن بين الأسر، وقصص عما حدث بالحوز وتيزي نتاست وتافينكولت وأولاد برحيل وغيرها، فالأسر تربطها علاقات بهذه الأمكنة، بين مصاهرة ومسقط رأس أصدقاء أو أقارب للجيران. الحس الاجتماعي حاضر بين هذه اللحمة التي تؤمن نفسها وتأمن على بيوتها المتصدعة التي تركتها مغلقة، لكن هاجس الخوف وتبادل الأخبار المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي عن هزة أكثر قوة، يزيد من الهلع ويضيف أياما أخرى من انتظار الفرج وعودة الاطمئنان لولوج البيوت السليمة وإصلاح المتصدعة، والاستقرار بها. الساحة الثانية يطلق عليها 20 غشت، تخليدا لذكرى عزيزة على المغاربة، وهي ساحة تعرف بنافورتها الجميلة، وكانت تتحول في كل مساء إلى مزار للترويح عن النفس، كما أنها تحتضن في المناسبات أنشطة فنية وترفيهية ومهرجانات ومعارض للصناعة التقليدية. هذا الفضاء لم يعد كذلك، وتوقفت به الأنشطة، بل حتى لعب الأطفال، تم تجميعها، لترك المجال لتشييد الخيام وفق الهندسة التي يرغب فيها أصحابها. أقمشة مربوطة بالنافورة وأخرى بالأشجار الجانبية، فلا النافورة أصبحت ترى، ولا الأرضية، فالخيام ملأت الفضاء، والأطفال يلعبون، بينما العابرون يصورون المشاهد بهواتفهم المحمولة.