رئيس منتدى المستهلك أكد أن كل مغربي يخسر 500 درهم شهريا بسبب هدر الطعام أكد شمس الدين عبداتي، الرئيس الشرفي للمنتدى المغربي للمستهلك، أن دور المدرسة والجامعة والكتاتيب القرآنية ومنظمات المجتمع المدني، بإمكانها لعب دور المرشد والمربي والقدوة أيضا لتغيير سلوكات المغاربة إزاء الهدر الغذائي، وتبني الاستهلاك العقلاني. وأوضح عبداتي، في حوار مع "الصباح" أن 90 في المائة من الأسر تهدر الطعام، وأن كل مغربي يخسر ما بين 50 درهما إلى 500 درهم في الشهر، بسبب هدر الطعام. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: برحو بوزياني يطرح موضوع ارتفاع الأسعار سؤال ثقافة الاستهلاك. كيف تقيمون سلوكات التبذير لدى المغاربة؟ صحيح أن الوضعية الحالية تدعو إلى القلق، فقد بات المستهلك محاصرا بالزيادات المتتالية في أسعار المواد الأكثر استهلاكا، خاصة الفئة التي تعاني ضعف الدخل، ومحدودية مصادر التمويل، أمام ارتفاع حاجياته، وتأثير أنماط الاستهلاك، وشعوره بضرورة مواكبتها، ما يسبب له في أزمات نفسية واجتماعية، تؤدي أحيانا إلى تشريد أسر بكاملها، وانقطاع الأطفال عن التمدرس، والطلاق، وفقدان الدخل، وعدم إمكانية الولوج إلى قروض الاستهلاك بشروط ميسرة. إن المستهلك ضحية السوق رغم أنه سيده، وضحية لسياسة حكومية أيضا، لأنها لا تملك إستراتيجية واضحة للاستهلاك، رغم تعهدها بالاهتمام بالمستهلك في البرنامج الحكومي، وضحية أيضا لفقدان الثقافة الاستهلاكية. يسجل استغلال مفرط للماء في زمن الندرة. ما أثر سلوك الاستهلاك على جدوى الجهود المبذولة لتوفيره؟ تعني ثقافة المستهلك أو الثقافة الاستهلاكية بمنتهى البساطة، عدم الإصرار على سلعة أو منتوج بعينه، بل الاختيار بين البدائل المتعددة المتاحة، وكذلك ترشيد الاستهلاك في حدود الحاجة، وهي مطلب ضروري جدا في ظل التضخم. هذه الثقافة وإن جاءت متأخرة، فذلك أفضل من أن لا تأتي أبدا. أما الاستهلاك العقلاني، فهو الاستغلال الأفضل لجميع الموارد الاقتصادية، بأقل تكلفة وبأسرع وقت للإشباع من منتجات النشاط الاقتصادي في الحاضر والمستقبل، وهو أيضا الاستعمال النهائي لسلعة أو خدمة بقصد إشباع الحاجة. ويهدف ترشيد الاستهلاك إلى توزيع ما يتوفر من سلع وخدمات لكي تتاح للجميع، في حين يهدف ترشيد المستهلك إلى تعليم وتربية وتوعية الأفراد بحقوقهم وواجباتهم في عمليتي الإنتاج والاستهلاك. كما يهتم ترشيد المستهلك أيضا بتكوين أفراد مستهلكين، على قدر من الوعي والفهم والمسؤولية، بحيث يستطيع كل منهم تخطيط استهلاكه واتباع أنسب الطرق في المعاملات المالية، وفي البيع والشراء، لكي يحصل على أفضل السلع والخدمات، بأقل تكلفة ممكنة. أي دور يمكن أن تلعبه جمعيات حماية المستهلك في التحسيس بأهمية تغيير سلوكات التبذير؟ أعتقد أن دور جمعيات الدفاع عن المستهلك، يمكن أن يكون فعالا إذا تم تعزيزه ببرامج توعوية وتربوية، تهدف إلى التخفيف من النزعة الاستهلاكية، وشراهتها، والتي تغذيها التحولات في مجال الإعلام التسويقي وأنماط الترفيه الأكثر انتشارا والأكثر إغراء، خاصة لدى الفئات الهشة في المجتمع وفئة الأطفال والمراهقين، في غياب دور البرامج المدرسية والدينية، التي تحث على ترشيد الاستهلاك باعتبارها قيمة أخلاقية واقتصادية. إن الاعتدال في الإنفاق والاستهلاك دون تبذير، أمر مطلوب، إلا أن الملاحظ هو محدودية دور جمعيات الدفاع عن المستهلك نسبيا، نظرا لعدد من الإكراهات القانونية والمادية التي تواجهها، فمازال القانون الحالي لحماية المستهلك يقيد عمل الجمعيات ويعرقل عملها. يشكو المواطن غلاء المواد الغذائية، لكن يلاحظ حجم كميات الخبز التي تتعرض للإتلاف. كيف تفسرون تفشي هذه الظاهرة؟ باتت مسألة إهدار الغذاء مطروحة بقوة في الظرفية الحالية، المتسمة بارتفاع معدل التضخم، والذي يتم قياسه عبر مؤشر أسعار الاستهلاك، ذلك أنه وصل إلى معدلات كبيرة، إذ وصلت في المغرب إلى 3. 6 في 2022، وفقا لمعطيات بنك المغرب و7.8 في ماي الماضي، حسب المندوبية السامية للتخطيط. وحسب أرقام للأمم المتحدة، فإن 90 في المائة من الأسر المغربية تهدر الطعام، ذلك أن كل مغربي يخسر ما بين 50 درهما إلى 500 درهم في الشهر، بسبب هدر الطعام، وتثبت المعطيات المتوفرة عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن كل مغربي يرمي حوالي 91 كيلوغراما من الطعام في سلة القمامة سنويا، بينما يتم التخلص من حوالي 1.3 مليار طن من الطعام كل سنة في العالم. هناك هدر للغذاء رغم ارتفاع الأسعار. كيف يمكن تبريره بالنسبة للمستهلك؟ هنا طبعا لا تسعفنا المعطيات والتقارير عن الفئات، التي تشكل النسبة الأكبر في الشراهة الغذائية والشرائية، التي تفوق الحاجة وتخلق أزمة الندرة بالنسبة إلى الفئات الضعيفة والأكثر تأثرا بارتفاع الأسعار، والأكثر احتياجا. وأعتقد أن ظاهرة التبذير أفرزتها الأنماط الاستهلاكية وسلوكات التباهي بالمظاهر الباذخة، محددا للترف والغنى الباذخ، وهو سلوك مرضي لا يمت للأخلاق ولا للقيم الدينية والإسلامية والسلوكية السوية بصلة. وهناك سبب رئيسي، وهو الإعلام التسويقي، وما تقدمه الشركات من إغراءات، إلى جانب المؤسسات التي تمد المستهلك بالقروض الاستهلاكية. أي دور يمكن أن تلعبه المدرسة وباقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية، بتغيير سلوك المغاربة في الاستهلاك؟ لاشك أن الدولة وقطاع التعليم والتربية مطالبون بوضع برامج وأنشطة تربوية وتوعوية موجهة للأطفال وللمراهقين وحتى للكبار لم لا في إطار إستراتيجية تروم تعلم الاقتصاد في الاستهلاك وترشيد الإنفاق، وفقا لجاجة الفرد/ المستهلك، وليس على أساس القدرة المالية. ويمكن للأسرة أن تستفيد من هذه البرامج، وتكون أيضا سندا وموجها بدورها للأطفال، في اتباع أنماط غذائية صحية واقتصادية في الوقت ذاته، فالسلوك الرشيد يقتضي أن يكون المستهلك قادرا على القيام بالاختيار العقلاني، لما هو متاح من السلع في السوق في حاجاته الحقيقية. في هذه الحالة، نقترب من المستهلك الإنسان الواعي والرشيد والمسؤول، وأعتقد أن دور المدرسة والجامعة والكتاتيب القرآنية ومنظمات المجتمع المدني بإمكانها لعب دور المرشد والمربي والقدوة أيضا لتغيير سلوكات المغاربة إزاء الهدر الغذائي، وتبني الاستهلاك العقلاني . الإسراف مذموم يمكن للفاعل الديني أن يساهم في تغيير سلوك المواطن ومقاومة التبذير. ما هو المطلوب من مؤسسة المسجد والخطب الدينية في هذا الصدد؟ > إن الاستهلاك ليس مذموما، ولكن المذموم فيه هو الإسراف والتبذير من الناحية الشرعية ومن الناحية الاقتصادية أيضا، لذلك نلاحظ أن بعض الدول تقوم بفرض ضرائب كبيرة على استيراد بعض السلع الكمالية، والتي لها طابع الترفيه والمباهاة، بغاية الحد من السلوكات السلبية، وهنا يجب أن تقوم المؤسسات الدينية بكل تصنيفاتها، مدارس أو مساجد أو هيآت دينية وتربوية، بدورها في التوعية بخطورة ظاهرة الهدر. إن تغيير السلوكات هو عمل جماعي إستراتيجي، يجب أن تقوم الدولة بتعزيزه، بتشريعات مواكبة ومؤطرة لسلوك الاستهلاك، ليس في جانب الغذاء فقط، بل أيضا استهلاك الطاقة والماء وغيرهما من المواد الأساسية. كما يمكن للمجتمع المدني إطلاق حملات لتوعية المنتج والمستهلك حول ترشيد الغذاء وتحسين سلوكه، واتخاذ بعض الإجراءات الزجرية، من قبيل تحديد عقوبات على من يتعمد الهدر الغذائي، وسن تشريعات وقوانين للحد من التبذير. في سطور < الرئيس الشرفي للمنتدى المغربي للمستهلك < مدير المركز الدولي للوساطة والتحكيم بالرباط.