ابن تومرت والاستغلال السياسي للمهدوية

المهدوية في المغرب 1 لجأ إلى أسلوب ذكي في الاستدلال بالأحاديث النبوية تفضي فيها المقدمات المنتقاة إلى النتائج المبتغاة شهد تاريخ المغرب أحداثا فاصلة لعب فيها دعاة "المهدوية" أدوارا اجتماعية وسياسية، نتجت عنها حروب دامية. و"المهدي المنتظر" هو الرجل الذي لا بد من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا، بعد أن ملئت جورا، ويعز الدين ويتولى الإمامة العظمى للمسلمين، ثم يكون خروج الدجال وما بعده من علامات وأشراط الساعة، ثم ينزل من بعده عيسى فيقتل الدجال، أو يأتي عيسى مع المهدي فيقتلان الدجال. ونظرا لسهولة استغلال فكرة المهدي المنتظر في الدعوات السياسية في تاريخ المغرب، أقبل مغاربة أكثر من غيرهم على انتحال المهدوية، وتم توظيفها لتحقيق الأغراض الدنيوية بالدين، كما تشير أخبار أغلب الذين ادعوا المهدوية في تاريخ المغرب، وأكثرهم من أهل العصر الوسيط، ممن تعقب أخبارهم العلامة ابن خلدون في "المقدمة والعبر". وتهدف المهدوية في كل الديانات والمعتقدات إلى التغيير الاجتماعي، وتعد أنصارها بالمستقبل الأفضل في العالم الدنيوي، لكن بتوظيف وسائل مرتبطة بماهو غيبي أخروي. خالد العطاوي شهد المغرب، أو كما كان يلقب لدى المؤرخين القدامى بالغرب الإسلامي، عبر تاريخه، العديد من الحركات المذهبية والدعوات السياسية التي سعت إلى التغيير والإصلاح، واستثمار عناصر القوة في محيطها، وعمدت إلى استلهام ما كان سائدا لدى المغاربة من "وقوع الخوارق فيهم وظهور الكاملين في النوع الإنساني من أشخاصهم"، حسب وصف المؤرخ ابن خلدون، وكان من أقوى الأسباب الباعثة على اكتسابهم الاستعداد للالتفاف حول مدعي المهدوية. وتشير عدد من الوثائق التاريخية، نشرها باحثون، إلى أن أبرز حركة سياسية قامت في بلاد الغرب الإسلامي على أساس الفكرة المهدوية، وشكلت منعطفا حاسما في تاريخ المنطقة، تتمثل في حركة الموحدين، التي استندت في انبعاثها إلى دعوة المهدي بن تومرت. وشرع ابن تومرت، منذ عودته من رحلته المشرقية، في بث دعاية سياسية مناهضة لحكم المرابطين بين قبائل "جبل دَرَن"، تمهيدا للدخول في مواجهة حاسمة ضدهم. وكان قوام هذه الدعاية السياسية توظيف النصوص الدينية، قصد تجريد السلطة القائمة من مشروعيتها، وإيجاد المبررات الشرعية للقيام عليها. ومن ثم، فقد لجأ ابن تومرت إلى اعتماد أسلوب ذكي في إيراد الأحاديث النبوية والاستدلال بها، إذ كان يسوقها في أنساق مدروسة، تفضي فيها المقدمات المنتقاة إلى النتائج المبتغاة، فهو يسوق أحاديث الفتن، بما يعبر عن فساد الزمان واختلال الأمر، حتى إذا استقر في أذهان الناس أن ما أنبأت به النصوص مطابق لما يعيشونه في الواقع، لوح لهم بالمخرج من الأوضاع المتردية التي آل إليها الحال، وليس ذلك سوى المهدي الذي "سيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا" ويسوق أحاديث "المهدي المنتظر"، بما لا يدع مجالا للشك في أنها تنطبق على شخصه. وينتقل ابن تومرت إلى خطوة ثالثة، فيسوق أحاديث مناقب أهل المغرب، تأييدا لما ألقاه في روع أتباعه من أنهم على الحق الذي ليس عليه غيرهم من أهل الأرض، فإذا نجح في هذه، راح يعرض بظلم الأئمة، ويندد بانحراف الأمراء، تحضيرا للقيام عليهم، وإعلان الجهاد ضدهم. ويؤكد عدد من الباحثين أنه رغم وفاة ابن تومرت، قبل تحقيق مكاسب سياسية ملموسة، فإن المبادئ التي غرسها في نفوس أتباعه، من منطلق إيمانهم بإمامته ومهدويته كان لها الأثر الفاعل في استمرار الحركة الموحدية ونجاحها في إقامة دولة عتيدة، غير أن المهدوية التومرتية أثارت الجدل، بين المؤرخين قديما والباحثين حديثا، ما لم يؤل معه إلى رأي حاسم، حول ما إذا كانت تنهل من معين الفكر الشيعي، أم أنها لا تخرج عن دائرة المقررات السنية. وشرع ابن تومرت منذ بداية دعوته في تهيئة نفوس أتباعه لتقبل إعلان مهدويته، حتى إذا التحق بمقره الحصين ب"تينملل"، وانحاشت إليه أعداد من قبائل الجبل، "جعل يذكر المهدي ويشوق إليه، وجمع الأحاديث التي جاءت فيه من المصنفات، فلما قرر في نفوسهم فضيلة المهدي ونسبه ونعته، ادعى ذلك لنفسه".

ابن تومرت والاستغلال السياسي للمهدوية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تعيينات جديدة لرجال السلطة

عراب الذكاء الاصطناعي يتبرأ منه

مقالات ذات صلة