سيدي بليوط… “طاحت عليها الروح”

مقابر البيضاء... قصص للتاريخ 4 الأجانب كانوا ينوون إنهاء وجود المقبرة بوضع خط سككي جديد في زمن تعيش فيه البيضاء أزمة مقابر، أرادت "الصباح" أن تعود بالزمن للوراء، للنبش في أقدم المقابر في المدينة، إذ منها ما اندثر ومنها ما يقاوم الانتشار الكثيف للإسمنت. امتلكت البيضاء مقابر تاريخية، باتت تراثا معماريا يروي تاريخ مدينة، منها ما يعود إلى ما قبل 120 سنة أو أكثر، على غرار المقبرة الإنجليزية، التي دفن فيها أغنياء الإنجليز الذين عاشوا بالمغرب، ومنها التي تعاني اليوم حصار البنايات، وباتت مهجورة، لكنها صامدة برفات موتاها. لكل مقبرة قصة ولكل مكان رواية، نسردها لكم في هذه السلسلة من الحلقات. يوسف الساكت تعتبر من أقدم المقابر في البيضاء، إذ شيدت قبل 1900، وضمت ضريح سيدي بليوط، الذي قاد معارك كبيرة ضد المستعمر الفرنسي بمعية السكان المحليين. ولا يعلم أغلب البيضاويين، أن سكان سيدي بليوط القدامى حاربوا المستعمر من أجل بقاء هذه المقبرة، إذ احتجوا في البداية على شركات بناء، كانت تعمل على توسيع ميناء البيضاء، وطالبوا بوقف الأشغال بسبب انتهاك حرمة المقابر والموتى. ومع توالي السنوات، تطورت الاحتجاجات إلى مواجهات، ومطالبات بوقف أشغال توسعة الميناء، وطرد الشركات الأجنبية، إذ شهد الميناء مواجهات مع برتغاليين وفرنسيين وإسبان، وغادر بعض هؤلاء الأجانب، فيما بقي آخرون في المكان. واحتج السكان آنذاك على مرور عربات القطار بجانب المقبرة، ما اعتبروه انتهاكا لحرمة الموتى، بل بلغ بهم الغضب إلى بعث طلب خاص للسلطان عبر خليفته. وتحدثت كتب أجنبية عن القصف العنيف الذي تعرضت له البيضاء، بسبب هذا الغضب الشعبي، وطرد الأجانب، من قبل بواخر فرنسية وإسبانية، في 1907، من بينها كتب لليهودي موشي زغاري، الذي وصف ما حدث بـ»القصف الدامي»، إذ تضرر ضريح سيدي بليوط كثيرا، ومعه المقبرة التي كان يدافع عنها سكان المنطقة. عاشت المدينة القديمة بدورها تلك المأساة، إذ انتشرت الجثث في الشارع. واعتبرت كتابات أخرى أن هذه المقبرة التاريخية، كانت سببا في اندلاع هذه المواجهات، كما تطرقت إلى ذلك صحف آنذاك، على غرار "لوبوتي جورنال"، التي وصفت الحادث بـ»قصف كاليلي»، نسبة إلى اسم الباخرة الفرنسية التي نفذت العملية، والتي أرادت الانتقام من السكان المحليين الذين طردوا وهاجموا الأجانب في ميناء البيضاء. وتلقت فرنسا آنذاك مساعدة من الإسبان. كان الأجانب في تلك الحقبة ينوون إنهاء وجود المقبرة الشهيرة، بوضع خط سككي جديد، فوق رفات الموتى، وهو الأمر الذي فجر غضبا كبيرا للسكان، الذين حاولوا في البداية إنهاء هذا التطاول بالسلم، إذ طلبوا تدخل خليفة السلطان، وبعدها لجؤوا إلى الأجانب، لكن كل تلك المحاولات لم تؤت أكلها، فقرروا الهجوم على الميناء وطرد الأجانب منه، إذ أسفر ذلك عن قتل بعضهم، ما أثار غضب الفرنسيين والإسبان والبرتغاليين، الذين قرروا الهجوم على الميناء بالأسلحة الثقيلة. دفاعا عن الموتى استغرب الأجانب بالميناء كيف لسكان أن يدافعوا عن موتى بهذه الطريقة، ما أغضبهم، بحكم أن المشروع الذي كانت شركات تعمل عليه، بنيوي، لكنهم لم يفهموا في تلك الحقبة أهمية تلك المقبرة التاريخية، وقيمة الموتى لدى المغاربة، خاصة السكان المحليين الذين كانوا يرون فيها أقرباءهم الذين وافتهم المنية في سنوات خلت. وسمى بعض الكتاب ما حدث في تلك الحقبة "معركة الدفاع عن الموتى"، أو "معركة سيدي بليوط"، إذ ظلت في تاريخ البيضاء، وتحدث عنها كتاب مغاربة وأجانب بشكل مستفيض، وتطرقوا للروح الدينية والإنسانية التي كانت تتملك السكان المحليين للدفاع عن موتاهم.

سيدي بليوط… “طاحت عليها الروح”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ولجت التمثيل بسبب حادث سير

الطالبي العلمي ينسق مع الأمن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات