لم تقف السياسات الملكية في ملف الهجرة، عند تدبير تدفق المهاجرين على بلادنا، وتسوية وضعية الآلاف منهم، واستقرارهم في بيئة سليمة، وتوفير ملاذ آمن للفارين من الحروب والعصابة المسلحة الدينية، بل تملكت منذ 2018 رؤية شاملة، تستوعب الملف على المستوى القاري، والمحيط المتوسطي. وإذا كان المغرب سباقا إلى استقبال المهاجرين الأفارقة وإيوائهم، بحكم موقعه الجغرافي، فإنه تمكن من مراكمة ما يكفي من الخبرة في مجال الهجرة، وتجاوز المقاربة الأمنية إلى البحث عن سبل تشجيع الهجرة النظامية، وحرية التنقل، ومحاربة شبكات الاتجار بالبشر. وسلط ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، قبل أيام في روما، الضوء على مقومات الرؤية الملكية بشأن قضية الهجرة، إذ قال في مؤتمر دولي حول التنمية والهجرة، ترأسته الوزيرة الأولى الإيطالية "جيورجيا ميلوني"، إن المغرب وقع حضوره في كل النقاشات حول الهجرة. وأكد بوريطة على أن جلالة الملك محمد السادس هو رائد الاتحاد الإفريقي بشأن قضية الهجرة، وأن رؤية جلالة الملك تجاه هذه القضية، مضمنة في الأجندة الإفريقية للهجرة ويجسدها إنشاء المرصد الإفريقي للهجرة. وشدد بوريطة على أن المغرب يعتبر، المقاربة الأمنية البحتة خطأ في التقدير، إذ لا يمكن تنظيم الهجرة دون دعم لضمان المسارات القانونية للتنقل البشري ومكافحة شبكات تهريب البشر والمهاجرين، دون الخلط بين المجرمين والضحايا. وقدم جلالته إلى إفريقيا بعد العودة إلى الاتحاد الإفريقي، رؤية شاملة حول ملف الهجرة، وترجمها من خلال المرصد الإفريقي للهجرة، وهو فكرة ملكية ذكية، من أجل إنشاء منصة للبحث تحت لوء الاتحاد الإفريقي، لصياغة وحوكمة أفضل للهجرة في القارة. وقدم المشروع في 2018، وتم افتتاح مقره بالرباط في 2020، وصرح ناصر بوريطة خلال الحفل الذي أقيم بحضور مفوضة الاتحاد الإفريقي للشؤون الاجتماعية، "اليوم ستتمتع إفريقيا بمعطياتها ...وهذا سيؤدي إلى تكذيب مجموعة من الأساطير" حول الهجرة. وتتمثل مهمة هذا المرصد في جمع البيانات وتحليلها وتبادلها من خلال "نظام مترابط" بين البلدان الإفريقية، لتحسين سياسات الهجرة التي "تكون غير فعالة في الغالب بسبب نقص هذه البيانات". وقال بوريطة إنها "رسالة قوية إلى المجتمع الدولي بشأن تصميم المغرب وإفريقيا على تأسيس إدارة أفضل للهجرة على مستوى القارة". وأضاف أن المرصد الإفريقي للهجرة سيؤدي دورا في إزالة كل الأوهام المتصلة بقضايا الهجرة، معربا عن أسفه من تحول الموضوع إلى "معادلة سياسية". وتجري الهجرة في إفريقيا بشكل أساسي بين البلدان الإفريقية، إذ يبقى 80 في المائة من المهاجرين من البلدان الإفريقية في القارة، ويصل 12 في المائة فقط منهم إلى أوروبا، ويغادر البعض الآخر إلى وجهات أخرى، وفقا للأرقام الصادرة في 2018 بالرباط. وأعلن عن إطلاق المرصد الإفريقي للهجرة في 2018 في مراكش، على هامش اعتماد ميثاق الأمم المتحدة العالمي للهجرة. ويخطط الاتحاد الإفريقي لإنشاء هيأتين أخريين مخصصتين للهجرة وهما مركز للدراسات والأبحاث في باماكو ومركز عمليات في الخرطوم. وأصبح ضبط حركات الهجرة، سيما من القارة الإفريقية، مصدر قلق كبير للاتحاد الأوربي بعد أن تدفق إليه أكثر من مليون مهاجر في عام 2015. ويحظى ملف الهجرة باهتمام ملكي بالغ، وهو ما يتضح من خلال الرسالة التي وجهها جلالته للحاضرين في المؤتمر الحكومي الدولي حول الهجرة بمراكش، في 2018، عندما قال "إن اهتمام المملكة المغربية بمسألة الهجرة ليس وليد اليوم ولا يرتبط بظرفية طارئة، بل هو نابع من التزام أصيل وطوعي، يجد تجسيده الفعلي في سياسة إنسانية في فلسفتها، شاملة في مضمونها، وعملية في نهجها، ومسؤولة في تطبيقها". عصام الناصيري