مغرضون يشجعونهم على الهجرة ويتعمدون تسويق النماذج الناجحة والتغاضي عن المأساة لا ينكر أحد أن آلاف الشباب المغاربة هاجروا في العقود الأخيرة، إلى دول أوربا، بطريقة غير شرعية، وتمكنوا بعدها من تأمين مستقبلهم، ومنهم من طور قدراته ومهاراته، وأصبح نموذجا يحتدى، لكن في المقابل مات الآلاف في قوارب الهجرة، أو انقطعت أخبارهم وتركوا أسرهم تعيش مأساة حقيقية بعد وفاتهم. وتعتبر الهجرة السرية ثقافة قديمة، وجزءا من دينامية الإنسان فوق الأرض، لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت الهجرة "موضة"، ويتم التسويق لها على أنها فعل "رجولي"، وأن المهاجرين شجعان وأبطال، وأنهم أذكياء في الوصول إلى أرض الأحلام. وتستغل شبكات الهجرة السرية هذه الثقافة، التي يروج لها على مواقع التواصل الاجتماعي، من قبل مهاجرين عبروا البحر منذ مدة، ويدعي بعضهم أنهم أصبحوا أغنياء، ويركبون السيارات الفارهة ويقضون عطلهم في الجزر الجميلة، ويحصلون على علاقات عاطفية مع شابات فاتنات، وما يهمهم هو جمع المتابعين على المنصات، مدعين أنهم يرغبون في مساعدة الشباب المغربي، ومده بالمعلومات لتحسين أوضاعه. وتسببت هذه المحتويات التي تستهلك بشكل غير عاد، في إغراء الكثير من الشباب، وأصبحوا لا يرون حلا لتحسين أوضاعهم الاجتماعية سوى الهجرة. وهناك أشخاص يتابعهم الملايين، وكل رأسمالهم أنهم "حراكة"، يدعون الثراء و"الحياة السعيدة"، والغريب أنهم لا يشتغلون ويكتفون بتصوير الفيديوهات في الساحات العمومية بأوربا. ويخدع الكثير من الشباب بتلك الصور، والوعود الكاذبة، ويخدعون أسرهم أيضا، التي تضطر إلى بيع ممتلكاتها من أجل أداء الواجب المالي لشبكات التهجير غير القانونية، ويرمون بأنفسهم في عرض البحر في مغامرة غير محسوبة، تكلف المئات بل الآلاف سنويا حياتهم. وأصبح حياة الكثير من الشباب المتأثرين بتلك الأفكار المسمومة، متوقفة على الهجرة، ولا يفكرون في أي أمر آخر غيرها، ويعتبرونها الحل الوحيد أمامهم، بل منهم من يغادر الدراسة بسبب أنه يرغب في الهجرة، رغم أنه لا يملك مالا أو له طريقة واضحة للعبور، ويعيش في أحلام اليقظة ويضيع مستقبله في انتظار فرصة العبور إلى الضفة الأخرى. وإذا كان الشخص محظوظا وتمكنت أسرته أن تؤمن له سعر الرحلة، ونجح في العبور، فإنه يجد نفسه في واقع غير الذي كان يسوق له، إذ يصبح مطاردا من الأمن ولا تحق له الاستفادة من أي امتياز اجتماعي، ويضطر البعض منهم إلى قضاء أشهر في الغابات والمنازل المهجورة، خوفا من أن يتم ترحيلهم، وعندما يبدؤون في العمل، فإنهم يشتغلون في الضيعات الفلاحية والورشات، ويتم استغلالهم بشكل كبير، علما أنهم كانوا يرفضون الاشتغال في تلك المجالات بالمغرب. عصام الناصيري