جمع بين الثقافة والقانون وارتباطه اليومي بالمواطن طبع مساره لا يمكن الحديث عن رجالات وجدة، دون إغفال الراحل محمد عدلي، الذي شغل منصب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالمدينة لمدة 25 سنة، تميزت بالنزاهة والحرص الشديد على تفعيل القانون. وصف عدلي بالموسوعة الثقافية والقانونية لاطلاعه على علوم الفقه والأدب والقانون. وبحكم ارتباطه اليومي بالمواطنين، تميز إلى جانب مسؤوليته الكبرى بمحكمة الاستئناف، باهتمامه الخاص بالقضاء الاجتماعي وقضاء الشغل. يتفق معظم الباحثين في الشأن المغربي في الحقبة الاستعمارية، على أن وجدة كانت من بين أهم المدن، من حيث البنيات الإدارية الحديثة، وذلك لسبب رئيسي كونها أول مدينة استعمرتها فرنسا، إلى جانب البيضاء في 1907. وعرفت عاصمة الشرق كذلك بتأسيس ثاني محافظة عقارية بالمغرب بعد محافظة البيضاء، في وقت كانت الرباط آنذاك تابعة لمحافظة البيضاء، بينما سكان فاس وتازة يحفظون أملاكهم بوجدة، وأن فقهاء القانون ومن بينهم موسى عبود، الذي كان يدرس القانون الاجتماعي كانوا يفدون على محاكم وجدة، من أجل الاطلاع على ترسانة قانون الشغل، منذ عهدPaul Lancre ، الذي كتب مؤلفات حول "التشريع المغربي للشغل" والذي كان يتوفر عليها أحد وجوه القضاء بوجدة، بل والمغرب عامة، الراحل محمد عدلي الوكيل العام السابق بوجدة. مسار قضائي غني وفي هذا البعد القضائي والإداري، ولد الأستاذ محمد عدلي بالعيون الشرقية، حيث قضى سنوات الدراسة الأولى في الكتاب القرآني الذي كان يوجد بالقصبة على يد والده، وكذا على يد الفقيه بوفلجة أعمارة الفيجيجي، ثم التحق بعد ذلك بمدرسة سيدي زيان الابتدائية بوجدة، وهي أقدم مدرسة عصرية بالمغرب، حيث تأسست سنة1907، كما تابع دراسته الثانوية بثانوية عبد المومن إلى مستوى الباكالوريا، وهي إحدى أهم الثانويات العصرية بالمغرب في فترة الاستعمار والسنوات الأولى لما بعد الاستقلال، إذ عين في فاتح يونيو في 1954 كاتبا للضبط، ثم انخرط بسلك القضاء غداة استقلال المغرب سنة 1957 حاكما مفوضا، ثم عين قاضيا بمحكمة السدد بوجدة خلال 1960، كما عين قاضيا للتحقيق بالمحكمة الإقليمية بوجدة في 1965، ثم قاضيا مستشارا بمحكمة الاستئناف بفاس سنة 1970، ثم وكيلا للملك بالمحكمة الإقليمية بالبطحاء سنة 1972. وإثر صدور التنظيم القضائي للمملكة في 1974 عين وكيلا عاما لمحكمة الاستئناف بوجدة، حيث قضى في المنصب نفسه خمس وعشرين سنة، إلى أن استفاد من تمديد حد سن التقاعد فتم تخويله منصب قاض شرفي من الدرجة الاستثنائية، بصفة رئيس غرفة بالمجلس الأعلى، وحصل على أربعة أوسمة، هي وسام الرضا من الدرجة الأولى، ووسام الرضا من الدرجة الممتازة ووسام العرش من درجة فارس، ووسام العرش من درجة ضابط، وكانت وفاته في 2001 بوجدة. موسوعة ثقافية وقانونية تنوع ثقافة محمد عدلي ساهمت في قيمته رجل قانون وقضاء، إذ أجمع كل من التقتهم "الصباح" من معارفه وأصدقائه على أن الرجل كان قاضيا متميزا بتأكيده العلاقة بين المحكمة والمجتمع. وعرف عن المرحوم سعة اطلاعه على علوم الفقه والأدب والقانون، فهو لم يكن رجل قضاء، بل رجل قانون كذلك، إذ كان له اهتمام بالقضاء الاجتماعي وقضاء الشغل، لشدة ارتباطه اليومي بالمواطن، حيث كان يرى أن القانون هو وسيلة للعدالة كآخر الحلول، مع إيمانه بأن الإنصاف أولى من الاتهام، وكانت له مجادلات مع زملائه حول أهم القضايا، التي شغلت رجال القضاء والقانون في بداية الاستقلال إلى حين وفاته، إضافة إلى اهتمامه بالتاريخ، حيث يشهد له تقديمه برنامجا إذاعيا كان يشرف عليه ويقدمه بنفسه اسمه "عظماء من التاريخ"، كما كان رحمه الله يحضر مجالس الثقافة والفكر، التي كانت تشهدها وجدة خلال الستينات، مساهما بإبداء رأيه في ما يراه جديرا بالرأي وعدم كتمان العلم. محمد المرابطي (وجدة)