التسول جنحة أم جناية أم ظاهرة اجتماعية؟

يعد من المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي يعانيها الفرد والمجتمع على حد سواء (2/1) يعد التسول ظاهرة دولية لم تسلم منها أي رقعة في العالم. فالتسول كان موجودا من قبل بزوغ الإسلام، إلى درجة أن الأب قد يقتل ولده خشية إملاق. وبعد مجيء الإسلام برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيئين وأشرف المرسلين، بيّن أن الإسلام يذمّ التسول ويحثّ على كسب اليد ويحبذ التصدق، لما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَا يَزالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْم". حذر الإسلام من سلوك التسول ونفّر منه لأن صاحبه يفقد كرامته في الدنيا ويسيء إلى آخرته. غير أنه أجازه لمن أصابته فاقة ومن كثر عليه الدّين ومن لمّت بماله جائحة حتى يزاح عنه ما ألمّ به. وليحذر الذي ليس في حاجة أو كان قادرا على كسب العيش من عواقب إتيانه للتّسول. ويعتبر التسول من المشكلات الاجتماعية المرضية الخطيرة، التي يعانيها الفرد والمجتمع على حد سواء. فانتشار التسول يعد انحرافاً سلوكيا ويشكل أحد أسباب الجنوح والانحراف لما يسبّبه من ضرر على الصحة النفسية لمرتكبه، الذي يتملكه الكسل على كسب العيش ويصبح عدوانيا اتجاه كل من يرفض منحه ما سأل. فالتسول كان يمارس من طرف بعض فئات المجتمع وبطرق وأساليب تقليدية، متمثلة في طلب المال أو الأكل بالنسبة للفقراء أو الدواء بالنسبة للمصابين بمرض مزمن. غير أنه اليوم، اتخذ صورا أكثر تطورا واحتيالا وأصبح يمارس من طرف كافة شرائح المجتمع، فأصبحنا نرى التسول الإلكتروني وعن طريق حملات تبرع بهدف الإحسان ومساعدة الفقراء وغيرها، بل هناك من اتخذه مهنة له. والمشرع الجنائي المغربي، ومحاولة منه للتصدي لهذه الآفة، أفرد في مجموعة القانون الجنائي فرعا خاصا لجريمة التسول (الفرع الخامس من الكتاب ....) جنحة وجعل لها أركانا وشروطا تحدّد قيامها من عدمه وحدد أركانها وشدد العقوبة على مرتكبها حينما تكون جناية. فالفصل 326، يعاقب من خلال القانون الجنائي "بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر، من كانت لديه وسائل التعيش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأي وسيلة مشروعة، ولكنه تعود ممارسة التسول في أي مكان كان". وهنا المشرع المغربي وضع شرطين أساسيين لقيام جنحة التسول. الأول، أن تكون لمقترف الفعل وسائل دون تحديد طبيعتها (مادية أو وسائل أخرى) تمكنّه من العيش أو أن يكون بإمكانه الحصول على وسائل بأي طريقة كانت، على أن تكون طريقة مشروعة، تتيح له العيش أو أن يكون باستطاعته العمل من أجل كسب عيشه. والشرط الثاني، الاعتياد على التسول دون تحديد مكانه، أي هل يتعلق الأمر بمكان عام أو خاص أو فضاء أزرق. وهو ما يدفعنا للقول بأن غياب حالة الاعتياد على ممارسة التسول ينفي قيام جريمة التسول وفق هذا الفصل. وفي القانون نفسه، أي القانون الجنائي، شدّد المشرع العقوبة دائما في إطار التسول جنحة، وجعلها في الفصل 327 من ثلاثة أشهر إلى سنة حبسا لكل متسول، حتى ولو كان ذا عاهة أو معدما، استجدى بإحدى الوسائل الآتية: 1 - استعمال التهديد. 2 - التظاهر بالمرض أو ادعاء عاهة. 3 - تعود اصطحاب طفل صغير أو أكثر من غير فروعه. 4 - الدخول إلى مسكن أو أحد ملحقاته، دون إذن مالكه أو شاغله. 5 - التسول جماعة، إلا إذا كان التجمع مكونا من الزوج وزوجته أو الأب والأم وأولادهما الصغار، أو الأعمى أو العاجز ومن يقودهما. ومن وجهة نظرنا وتحليلا لغاية المشرع من مقتضى الفصل 327، نجده عاقب مرتكب جنحة التسول، بغض النظر عن السبب المادي (الفقر وضيق الحال بوصفه "معدما") أو السبب الصحي، كإصابته بعاهة ربما قد تكون سببا في حرمانه من الحصول على عمل أو شهادة، شريطة أن يرتكب التسول بواسطة استعمال التهديد أو بالتظاهر بالمرض أو ادعاء عاهة بغرض استجداء عطف الناس أو تعود اصطحاب طفل صغير أو أكثر من غير فروعه. وهنا، يجب أن أقف عند هذه الفقرة لطرح العديد من الأسئلة. فهل إذا لم تتحقق حالة الاعتياد لا نكون أمام قيام الجريمة؟ ثم ما المقصود بالطفل الصغير؟ فالطفل بتعريف القانون، هو كل شخص لم تبلغ سنه 18 عشر سنة ميلادية. كما أنه لا يوجد تعريف للطفل الصغير في تشريعنا الوطني. وأخيرا، هل إذا كان الطفل من فروع الجاني فالجريمة تسقط عنه؟ هذا ما يدفعني للاعتقاد وكأنّ المشرع يجيز اصطحاب الطفل الصغير من الفروع بغاية التّسول باستقراء ماسبق. * دكتور في الحقوق

التسول جنحة أم جناية أم ظاهرة اجتماعية؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المال العام في مهب الأحزاب

تعويضات التأمين تغضب فلاحي الرحامنة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات