محاكمات غير عادية 3 تقدمت بدعويين للحصول على حكم يناسبها هي قضايا غير عادية، ليست بسبب موضوعها أو خطورة الجرم المرتكب أو حساسيتها، وغيرها من الأسباب التي يمكن أن تطبع المحاكمة وتجعلها تخرج عن المألوف. المثير في هذه القضايا أن بطلاتها نساء، إما ضحايا أو مذنبات، تفنن في طريقة تدبيرها بنكهة خاصة اختلط فيها المكر والذكاء، لأجل الدفاع عن حقوقهن بشتى الوسائل، كما تمكن من شد الانتباه إليهن، وظلت قاعات المحاكم وذاكرة قضاة ومحامين وباقي ممتهني العدالة شاهدة عليها. كريمة مصلي قد تتحول مشاعر الكره والانتقام إلى مرض من قبل بعض النسوة، خاصة في حال الدخول في خلافات مع شريك الحياة، وفي هذه الحالة يبدعن في اختلاق المشاكل والقضايا، رغبة في الانتقام، قد يتوفقن فيها خاصة أن بعضها شكل الاستثناء لا من حيث طرفي الدعوى أو نوعيتها، والتي ظلت تحكى على الألسن وتؤكد مدى قوة ونباهة أحد طرفي الدعوى، التي لم تكن سوى الزوجة، والتي شكلت محور اهتمام الهيأة القضائية، بل بقيت الألسن تتداولها. وقفت امرأة تظهرعليها بوادر الغضب أمام القاضي، ولم تترك له الفرصة لسؤالها، والتأكد من بياناتها وإنما بدأت في لوم الهيأة على التماطل في البت في ملفها، على اعتبار أن تلك الجلسة تعد الثالثة، والملف مازال يراوح مكانه، وأنها ورفقة طفلتها لا تجدان لقمة لسد رمق الجوع، في ظل غياب الزوج وإمساكه عن النفقة. حاول القاضي التهدئة من روعها، مشيرا إلى أن هناك مساطر قانونية لا يمكن تجاوزها وعليها تفهم الأمر جيدا، فحاولت مقاطعته مرة ثانية، والدموع تنهمر من عينيها. أخذ القاضي في تفحص أوراق الملف، والسبب في عدم حضور الزوج، وهل هناك إشعار بالتوصل بالاستدعاء أم لا، وبينما هو يقلب في أوراق الملف دخل الزوج، الذي اقترب من الهيأة وأخبرها أنه زوج المشتكية، وبعد مؤاخذته على التأخير وعدم حضور الجلسات السابقة، طلب الزوج من القاضي منحه فرصة لشرح الأمور، مشيرا إلى أن ملف النفقة هذا يعد ثاني ملف للزوجة وقد سبق لها أن وضعت ملفا بمسقط رأسها، وحازت بشأنه على حكم نفقة، وأنه في الوقت الذي كان يستعد لتنفيذ الحكم، فوجئ بدعوى جديدة تقدمها الزوجة، وهذه المرة في مكان عقد القران ووجود بيت الزوجية، الذي ما زالت تسكنه. حينها طلب القاضي منه توضيحات أكثر حول الملف، فقدم الزوج إلى هيأة المحكمة نسخة من الحكم الصادر، والذي يمنحها نفقة لها ولابنتها وتعويضا عن السكن، رغم أنه سبق أن أكد لهيأة المحكمة أن الزوجة مازالت تعيش معه في بيت الزوجية وأنه ينفق عليها، إلا أن المحكمة لم تأخذ به، إذ شرع القاضي في تقليب أوراق الحكم، وفي تلك اللحظة تسمرت المشتكية في مكانها، في انتظار ما سيسفر عنه الوضع. وفي محاولة لتبرير ما قامت به، استسمحت القاضي أن يمنحها بعضا من وقته لشرح ما وقع. وأمام تضارب الأقوال والحكم الذي يشير إلى أنه سبق لها الحصول على النفقة، وتأكيد الزوج أنها مازالت تقطن ببيت الزوجية، توجه لها بسؤال حول مدى صحة ماقاله الزوج، فلم تجد بدا من الاعتراف بالحقيقة، مؤكدة بالفعل أنه سبق لها أن وضعت دعوى بمسقط رأسها للنفقة وحازت إثرها على حكم، إلا أن المبلغ المحدد لم يكن منصفا بالنسبية إليها خاصة أن زوجها ميسور، وهو ما دفعها إلى التفكير في تقديم دعوى أخرى، والمقارنة بين الحكمين واختيار الأنسب لها لتنفيذه على الزوج.