الرقابة العليا على المحاكم

أوراق من تاريخ الحماية (الحلقة الأخيرة) الحماية الفرنسية اعتبرت القضاء المغربي معرقلا لمشروعها الاستعماري في إطار الاهتمام المتواصل بالكتابة التاريخية التي تؤرخ لمرحلة الحماية، دأب الدكتور سعيد لحسايني، الباحث في تاريخ المغرب، على النبش في وثائق الأرشيف الفرنسي، للوقوف عند تعاطي الإدارة الاستعمارية مع المؤسسات والأنظمة المغربية. واختار الباحث إطلاع قراء "الصباح" على كيفية تعاطي سلطة الحماية مع موضوع النظام القضائي المغربي، من خلال تقديم مضامين تقرير أعده الكاتب العام للحكومة الشريفة غايار، إلى المقيم العام الجنرال ليوطي ممثل الحكومة الفرنسية بالمغرب، بتاريخ 12 دجنبر1915، والذي يحمل عنوان "إعادة تنظيم العدالة المغربية". إعداد: برحو بوزياني لا يعني أن التعديلات التي تم إدخالها نهائية، ولكن بقي منها ما سيكون موجها تقريبا إلى التنظيم القضائي الليبرالي. وبما أن قضاء "الشرع" لم يتم المساس به، نظرا لطابعه الديني، فكل ما يمكن أن تقوم به إدارة الحماية، هو تأمين عمله بشكل مريح أكثر، ودون تغيير إطاره، وتوظيف القضاة والعدول بعناية فائقة، وفي غضون بضعة سنين سيكون من الضروري تغيير الموظفين المسنين وتعويضهم تدريجيا بعناصر خريجي المدارس التي أنشأتها فرنسا لفائدة المسلمين، الأكثر شبابا والأقل روتينا والأكثر تكوينا، كما سمح تعديل الأحباس بإعادة تنظيم التعليم العالي، الإسلامي ومكافأة القضاة بشكل ملائم لمساهمتهم في الدعاوى. وفي الأخير، استمر وزير العدل في ممارسة رقابته العليا على المحاكم وهو ما يسَّر له عمله والنظر في الأحكام. ومن الأنسب، في ما يخص الباقي، السهر على جعل الكفاءة في قلب "العقلنة الواقعية" للمحاكم الدينية"للشرع"، وهذا لا يتعارض مع ضرورة وضع حدود على بعض الممارسات الحالية، حيث ليس في مصلحتنا رؤية عدد كبير من القضايا تعرض للنظر فيها من طرف قاض واحد يعمل بتشريعات "تقليدية" وتتعارض مع التطور. لذلك السبب، من الواجب علينا تمتيع المغرب بقضاء متفتح منظم بشكل كامل، فمحاكم القياد مدعوة للاطلاع، ليس فقط على الشؤون الجنائية، ولكن أيضا العديد من القضايا المدنية، ومن الواجب على إدارة الحماية أيضا التقليص، ما أمكن، من دور القضاة في الشؤون العقارية، وكل ما يتعلق بالأحوال الشخصية للمسلمين. وليس بالإمكان مشاهدة استئناف منظم للمحاكم التي من اختصاص القياد، إلا في المادة الجنائية، ومن الواضح أن محكمة واحدة للاستئناف، لن تكون كافية في هذه المادة بالنسبة لكل المغرب. وسنقوم بإنشاء محاكم جهوية في فاس والرباط ومراكش تكون شبيهة بنظيرتها التي تدعى "الوزارات" في تونس، تحت إشراف مندوب سام للحكومة يكون مكلفا، في الوقت نفسه بمراقبة المحكمة الجهوية، وتفتيش محاكم القياد في نطاق اختصاصه. وفي الأخير، سيكون لزاما سن تشريع بسيط وعملي للالتزامات والجنح، مستنبطا من المدونات التونسية والمصرية ويكون مسايرا للعادات والأعراف الموجودة في البلاد. كل تلك التعديلات، التي لا تمثل في الباقي منها، طابع الاستعجال، توجد قيد الدراسة، وبإمكانها الدخول في أقرب الآجال إلى التطبيق في اليوم الذي تكون فيها الفرصة سانحة للعمل بها. ومن جهة غيار الكاتب العام للحكومة الشريفة، سيكون في رأيه الانتظار ضروري. وألف أهل البلد، نتيجة ذلك، الحكم والتحكيم المطلق، وعلى طول ثلاث سنوات فقط، لا يتخيلون امتلاكهم للضمانات الضرورية التي يمنحها لهم النظام الحالي. وبالنسبة إلى المتقاضين الفرنسيين أو المواطنين الأوربين في البلدان التي تخصص لهم وضعيات خاصة بتشريعاتهم القنصلية، فهم يتوجهون للمحاكم الفرنسية، سواء كانوا مدعين أو مدعى عليهم في قضاياهم مع أهل البلد المحليين الخاضعين لقانون مجتمعهم، فلا هؤلاء ولا أولئك يحتجون حول أية إلزامية لتعديل قضائي جديد. وفي ظل هذه الظروف، توقع غيار الكاتب العام للحكومة الشريفة أنه ليس من السياسة القيام، منذ الآن، بتعديلات ليس لها صفة الاستعجالية، خاصة في المجالات، التي لها طابع يتعارض مع الحداثة، داخل بلد يتوفر على مؤسسات تقليدية ما زالت مكتملة إلى الآن. وفي كل الحالات، يجب على فرنسا التوقف والانتظار إلى غاية نهاية الوضعية، التي خلفتها الحرب العالمية الأولى. تقليص نفوذ القضاء رأت إدارة الحماية الفرنسية في القضاء المغربي بصفة عامة: القضاء الشرعي، والمخزني، والعرفي، والعبري، معرقلا لمشاريعها الاستعمارية، ومناقضا لقوانينها، فعملت على تنظيمه وتعديل بعض مقتضياته وتقليص نفوذه إلى حين إلغائه وإحلال القضاء الفرنسي، خدمة لمصالحها بالمغرب. وقد أسست الإدارة الفرنسية لنظام قضائي فرنسي بالمغرب، للنظر في القضايا التي تهم الرعايا الفرنسيين، وباقي الجاليات الأوربية المستقرة بالمغرب، بعد إلغاء القضاء القنصلي، الذي انطلق العمل به منذ 1856.

الرقابة العليا على المحاكم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الرجاء يضمد جراحه بأكادير

الرجاء مهدد بهجرة جماعية

مقالات ذات صلة